نعيش في دنيانا بين تقلبات الزمن، في سعادةٍ تارة وشقاءٍ تارةً أخرى، في مضمارٍ يجري فيه الناس غير عابئين بما يفعلون في كثير من الأحيان.
ونستغرب مما يفعله البعض، فأفعال البشر السلبية تجاه بعضهم البعض، من ظلمٍ وأكل مال الناس بالباطل وتعدياتٍ وتجريح في الآخرين في أحوال كثيرة، ليست إلا ظلمٌ للذات وتعدي على الظالم نفسه، لأنه هو الخاسر الأول في هذه المعركة، معركة الطغيان.
وأتعجب كثيرًا لهذه الصورة، إذ كيف لعاقلٍ أن يُقدم على ظلم الآخرين رغم علمِه بأنه ظالم، وأن الظلم ظلماتٌ في الدنيا والآخرة،،!!
بالطبع هناك تنوعٌ في مواقف الذين يظلمون -والذي يمتد ظلمهم أحيانًا إلى إخوتهم وذويهم- فمنهم من لا يَفطن إلى أنه قد تعدى أصلا رغم تعدياته، ومنهم من يتناسى تعدياته، ومنهم من يعلم بتعدياته إلا أنه يبرر ذلك بتبريرات النفس والهوى التي تُريح ضميره، ومنهم غير ذلك.
إلا أنني ومع كل هذه الأنواع من الظلم والتعدي أتعجب من موقف الظالم حين يكون في مجالس عرفية ويُبين له الحضور بأنه متعدٍ على حقوق الغير، ثم لا يكترث ويمضي في ظلمه وتعدياته مستمرًا.
وببساطة، أرى موقف هذا الظالم هو موقف الذي يُنفذ ما قد كُتب عنه منذ الأزل، في كتابٍ مكتوب ليس كتاب جبرٍ أو إملاء أو قهر، لكنه كتاب علم ومعرفة بالنفوس التي كانت ستُخلق وإلى يوم القيامة.
هذا الذي نراه يظلم ولا يكترث أو يتناسى ظُلمِه عبارة عن حالة، تُمثل صِدق علم الله بالنفس التي بين جوانب هذا الظالم، وهي التي بها خلل فطريّ جعلته يستمريء الظلم والتعدي ولا يرتدع بوازع الضمير أو الأخلاق.
وبذلك تنجلي أمامي هذه الحالة بوضوحٍ شديد، فما هذا المتعدي وما نحن أيضا إلا كما لو كنا شخوص رواية، وحياتنا كما لو كانت هي الرواية، التي نقوم بتوقيعها جميعًا في واقعنا، وهذا المتعدّي هو أحد شخوصها، نتفاعل جميعنا في كل تفاصيلها، كلٌ منا في حدود دوره المكتوب -كتابة علمٍ وليست كتابة جبر- لتخرج علينا نتائج مكتوبة، هذا يظلم وذاك يُظلم، هذا يُحسن وهذا يُسيء، تبعًا لطبيعة ميول كل نفسٍ وهواها الذي يميل للخير أو الشر، ويكون على المتابعين للظلم، التصدي للمتعدي كدورٍ مجتمعي لا يتجزأ للوصول الى رقي مجتمعي يحفظ الحق والعدل بين أبنائه.
وعلى ذلك يكون على كل منا تطويع نفسه لتكون إلى الحق والخير والجمال منجذبة، وهذا الذي يتأتى من الوالدين بالتربية في الصغر، وبالتدريب عليه بأنفسنا في الكِبَر.