بادرني صديقي بسؤال، لماذا أنت متفائل بالقرارات المالية والإقتصادية التي تم اتخاذها مؤخرا، ؟ ألست تعيش معنا وترى سُعار الأسعار والإرهاق المادي الذي ارتسم على وجوه الناس، ؟ وسارع بالحكم عليّ بأنني في برجٍ عاجيّ ولا أشعر بالآخرين، وسيلًا من الوصف الذي أعتبره يمثل أفكاره عني ولا يمثلني في شيء.
رددت بهدوء، حيث لا يحتاج الأمر إلا إلى الطرح الهاديء البسيط، عن أسباب تفاؤلي، وليس عن لماذا يصفُني بأوصافٍ هي من جملة أفكاره هو التي هاجمني بها.
قلت: أنا متفائل لأني أتابع الأمور بمنظور "هليكوبتر" متكامل، وليس بمنظور التفصيلة الواحدة المجتزئة من تلك القرارات، المنعزلة عن المنظومة الاقتصادية التي تم اعتمادها بشكل متكامل.
فمثلًا،، تحرير سعر الصرف هو خطوة إجرائية في منظومة إصلاح اقتصادي متكامل، ولو كانت بمفردها لكنت في غاية الخوف والاضطراب على مستقبل الأوضاع الاقتصادية، لكنني تابعت منظومة إجرائية وليس قرار "تعويم"
حيث بدأت تلك المنظومة بتوفير التعاقدات على التدفقات المالية الأجنبية أولًا وبخطط زمنية لسنوات قادمة، تضمن تخطيطيًا توفير العملة الأجنبية بالبنوك طوال تلك السنوات القادمة،
ثم بعدها تم تحرير سعر الصرف لأنه أصبح "متوفر" بالبنوك -ولو لم يتم توفيره لكان هذا الإجراء غير صحيح-
وحسب قانون العرض والطلب سوف تنخفض قيمة الدولار بالتبعية حسب آليات السوق، لكن وللحقيقة، فإن هذا لن يحدث قبل أن يرتوي التعطيش الذي حدث في الطلب على الدولار، خلال سنة ماضية.
ثم بدأت الإفراجات الجمركية العاجلة وبسرعة لخامات التصنيع والمواد الغذائية وغيرها،
مما سيفتح أبواب الإنتاج المحلي لزيادته،
وهذا بالتالي سيفتح أبواب التصدير للمنتجات المصرية التي يتم تصديرها والتي تستخدم فيها خامات مستوردة، حيث لم يكن المصنعين بقادرين على استيرادها بسبب عدم توفر العملة بالبنوك، مما كان يضطرهم للسوق السوداء، وكان ذلك يرفع التكلفة بالطبع فكانوا يحجمون عن التصنيع،
لكن بعد توفيرها بالبنوك بسعر صرف حر، ستنخفض الأسعار بعد انخفاض سعر العملة، لكن بعد وقتٍ يتم فيه تسديد الطلب العالي عليها، حيث يتوفر العرض الآن بالبنوك، مما سيصب في زيادة حركة الناتج القومي المحلي وأيضًا زيادة حركة التصدير.
ثم تبِع ذلك رفع الفائدة بنسبة منضبطة مما سيضبط الطلب على الدولار.
وعلى كل ذلك، فإن تلك الحزمة الإجرائية تُعد منظومة إصلاحية شاملة، وليس إجراءا واحدًا يجعلني أخشى أن تحدث معه كبوة إقتصادية أو مالية، وبالتالي أصبح لدي الأمل والتفاؤل فيما تم إقراره.
صديقي الكريم، إن تفاؤلي ينبني دائما على رؤيه مستقبلية مرتبطة بالواقع وتنطلق منه،
تفاؤلي مبني على "تفاءلوا بالخير تجدوه"
وعلى القانون الكوني :
"ما تردده يرتد إليك مضاعفا"
وليس تفاؤلٌ على أساس كيفما اتفق.
وبإذن الله سنجد مردود هذا التفاؤل،
وبإذن الله بُكره أحلى.