لا يوجد أحدٌ منا يسعد بالنقد، ولا بالنصائح ولا بلفت النظر، حتى لو كان ذلك في إطار مصلحته، أو من باب الإرشاد لما فيه الخير والرشاد، وهذا مما اكتسبناه من بعض الصياغات النقدية السلبية، الجالدة والمسيئة.
وفي مناسبة عائلية بادرني الشاب قائلا: إن أبي دائمًا ما يتهمني بأنني قليل الخبرة، وأنني لست على دراية كافية في الحياة، وأن أمامي سنوات على أن أصل إلى النضج والاستيعاب، وأخذ الشاب يحكي انتقادات والده نحوه، وأضاف أن ذلك يؤثر فيه سلبًا ويهز ثقته في نفسه.
وفي الحقيقة لقد رأيت كل الانتقادات التي سردها الشاب أنها من باب النصح والبحث عن أن يكون ابنه أفضل من الآخرين.
لكن الذي شد انتباهي بشدة، هو تركيز الشاب على أن هذا النقد سوف يؤثر فيه سلبًا، فبادرته بأن الذي يؤثر بالفعل فيه سلبًا هي أفكاره.
نعم، إنها أفكاره عن النقد، ورفضه أن ينتقده والده، وتفكيره بأن النقد يؤثر بالسلب، كل هذه أفكار وحوار نفس، يدور بين الإنسان ونفسه، وهذا ما يجعل النقد يؤثر فيه، سواءً سلبًا بفقد الثقة بالنفس، أو إيجابًا بتطوير الذات واتخاذ ما يلزم للترقي والنجاح.
قال: لكن النقد إذا جاء من الأب فإنه يشكل الإبن ويؤثر فيه بشدة، لأنه الوالد وهو المؤثر الأول في الأبناء،
قلت: هذا صحيح في جزئية أن الأب يؤثر، لكنه زمن تأثيره يكون في مراحل السن الأولى في الصغر، وليس الأمر كذلك في سنوات العمر بعد الرشد، حيث تكون أنت الذي تملك أفكارك، التي تجعل النقد يؤثر فيك سلبًا أو إيجابًا، حينها نظر اليّ الشاب بتركيزٍ ثم انصرف.
وعمومًا وكما كررناه كثيرًا، فإنه ليس من النقد السخرية أو الإساءة أو الاتهام الجزافي.
وفي نفس الوقت لابد من مراقبة افكارنا الشخصية عن النقد، وأن لا نسمح لأنفسنا بأن تقول لنا في حديث النفس: بأن النقد انتقاصٌ فينا أو أنه ضد كرامتنا ويسيء لنا تجريحًا، بل علينا تبنّي فكرة احتياجنا للنقد، وافتقارنا لمن ينتقدنا كي نرى أنفسنا من خلاله برؤية مختلفة.
فالشعور بالانتقاص بسبب النقد يمثل مشاعر شخصية، يجب معالجتها ليس بكبتها أو كتمها، بل بمعالجة أفكارنا عن النقد للوصول الى تقبله والاستفادة منه.