اعتدنا منذ عشرات السنين على أن الأعمال الهندسية، سواءً التصميمية أو التنفيذية بأنها تقوم على أسس قياسية "Standard"، وعلى أصول فنية نسميها أصول الصناعة والصنعة، وعلى مواصفات هندسية لا يختلف عليها الزملاء المهندسين حيث أن لكل ذلك أكواد هندسية وأصول تعاقدية، يتم العمل على أساسها وتتوحد كل فرق العمل الهندسي على محدداتها.
ومن ضمن تلك الأصول المتفق عليها في التعاقدات التي تحدد علاقة فرق العمل بعضها بعضًا بالمشروعات الإنشائية، هو وجود فريق عمل تنفيذ مع تواجد فريق عمل آخر يقوم على مراجعة واستلام الأعمال في مراحلها المختلفة وهو فريق الإشراف، بجانب فريق مهندسي المالك الذي يمثله فنيًا في متابعة مراحل الإنجاز المختلفة أثناء التنفيذ، ويتوقف عدد الفرق على حجم المشروع.
كل ذلك من المسلمات الإجرائية في التعاقدات قبل وأثناء تنفيذ المشروعات، والتي يعرفها كل العاملين بمجال تلك المشروعات،
إلا أنني لاحظت في الكثير من الحوارات التي تدور حول التعاقد بين المالك والمنفذ، بأن هناك من يدلي برأيه في تلك العلاقات، ويوجه حسبما يرى بهواه، تحت دعاوى متعددة، ليس منها أبدًا أي مرجعية قياسية أو فنية.
فهناك من يدعو إلى التنازل عن فريق الإشراف لتقليل التكلفة، وهناك من يعلن بالاكتفاء بفريق التنفيذ حيث أنه ثقة، إلى غير ذلك من الدعوات التي تخرج من قرائح الغير متخصصين، ليتابعها ملاك الأراضي ممن يبحثون عن تقليل التكلفة وحسب، فيقعوا في براثن الإفتاء المفتوح من قِبَل المتبرعين بالفتاوى الفنية والتعاقدية المرسَلة، لنحصد نتائج لن نذُق مرارتها إلا في وقت المخاطر -مثل الزلازل أو رشح المياه الجوفية- لنرى حينها أهمية المراجعة الفنية طبقًا للأكواد الهندسية في كل بند من بنود التنفيذ.
وبالطبع حين تنتشر تلك الفتاوى الضارة والضالة، نجد بعدها صعوبة بالغة في إعادة الاقتناع بما تمليه الاشتراطات التعاقدية لتواجد فِرَق المراجعة والإشراف لدى الملاك.
إن التبرع بالآراء الشخصية وطرحها على الملأ في الموضوعاتٍ التخصصية التي تخص خبراء المهن الهندسية، لهو عمل مُشين قد لا يعيره البعض اهتمامًا، تحت دعاوى التوفير أو الدمج، متناسين أن تضارب المصالح الذي قد يحدث، يستوجب العمل حسب الأصول الفنية، وحسب المرجعيات التعاقدية، دون الحاجة إلى اقتراحات القرائح التي تُلقى علينا ليل نهار بأطروحاتها الضارة والمضرّة.