arhery heros center logo v2

           من منصة تاميكوم 

آخر المواضيع

  • أنواع النكاح في الجاهلية | 21-07-2024
  • المطبات الجوية و أنواعها | 11-07-2024
  • أنواع و وظيفة المراقبين الجويين للطائرات | 26-06-2024
  • كيف يتفادى الطيار المُقاتل الصواريخ جو/جو ؟؟!! | 24-06-2024
  • الحب يروي الحياة .. قصص حب | 17-06-2024
  • الفرق بين ليلة القدر ويوم عرفه؟ ! | 14-06-2024
  • معنى : "الآشيه معدن"  | 13-06-2024
  • الإعجاز في "فَالْتَقَمَهُ الحوت" .. و النظام الغذائي للحوت الأزرق | 21-05-2024
  • إعجاز (لنتوفينك) في القرآن .. هل هو صدفة ؟! | 19-05-2024
  • من قصيدة: شرايين تاجية | 15-05-2024
  • معجزة بصمة كل سورة في القرآن الكريم | 12-05-2024
  • كفكف دموعك وانسحب يا عنترة | 08-05-2024
  • الفارق بين الطيار المدني و الطيار الحربي | 02-05-2024
  • لماذا لا تسقط الطائرة أثناء الإقلاع ؟ | 21-04-2024
  • الجذور التاريخية لبعض الأطعمة المصرية....لقمة القاضي إنموذجاً | 25-03-2024
  • قصة مثل ... الكلاب تعوي والقافلة تسير | 25-03-2024
  • من هم الأساطير و من هو الأسطورة ؟ | 23-03-2024
  • قوانين العقل الباطن | 21-03-2024
  • نبذة عن مكابح الطائرة بوينج 787 | 20-03-2024
  • كيف تمنع ظهور محتوى اباحي و جنسي حساس 18+ على الفيسبوك بسهولة | 08-03-2024
  1. الرئيسية
  2. بريد الجمعة
  3. زيارة إلى الجنة ! بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى ..

 

أقرأ بريدك بانتظام بحثا عن جرعات الأمل التى تبثها فى نفوس قرائك فتهديهم بها إلى طريق الصواب، وترسم البسمة على شفاههم الحزينة فيتحملون المتاعب والأنواء انتظارا للفرج الذى يأتيهم من عند الله، وقد وجدتنى أكتب إليك تجربتى التى أذهلت الكثيرين حينما أقدمت عليها وحذرونى من فشلها، لكن استمررت فيها وكلى يقين بأنه لايوجد مستحيل مع الاصرار والعزيمة ومشيئة الله عز وجل، فأنا شابة فى مقتبل العمر، نشأت فى أسرة متوسطة لأبوين مكافحين ربيانا على الأخلاق الحميدة، والمبادئ السامية، وحصلنا على مؤهلات عليا، ولم أنخرط فى أى تجربة عاطفية خلال الدراسة، وبعد تخرجى تقدم لى أكثر من شاب، ولكل منهم صفة ووظيفة مرموقة، وكم تمنيت أن أرتبط بأحدهم مثل أى بنت تحلم بأن يجمعها عش الزوجية مع من يحبها ويرعاها، ويكونان عونا وسندا لبعضهما فى الحياة، ولم يكن لى نصيب مع أى منهم لأسباب لا أعلمها، واحترت فى تفسير الأحداث، وأرجعت كل شىء إلى النصيب، ولم أتقوقع على نفسى، أو يعرف اليأس طريقه إلىّ، فتقربت إلى الله، وأحسنت الظن به، وأنا واثقة أنه سيكرمنى بمن يحبه ويرضى عنه، وبعد شهور تقدم لى مهندس لم أنكر عليه من مظهره العام خلقا ولا دينا، فوافقت عليه، وقرأنا الفاتحة، ولكن لم تمض أيام حتى فوجئت بأنه ينظر إلىّ نظرة دونية، معتبرا أنه من الفئة الأولى فى المجتمع، وأنا من الفئة العاشرة، ويعتبرنى أقل منه فى كل شىء.. ويالها من صدمة مفجعة تركت أثرا غائرا فى نفسى، فلم أتحمل أن أراه بعدها، وانهيت خطبتى له، وسألت الله أن يهبنى زوجا أرقى وأرفق بى ممن تقدموا للزواج منى، وجاءنى فى منامى شاب على كرسى متحرك يشع وجهه نورا، ويسألنى إن كنت أقبله زوجا لى. فتهللت فرحا به وقلت له: «أنا لك» واستيقظت من نومى على رنين جرس الهاتف، فإذا بسيدة من معارفنا تقول لى إنها تريدنى فى أمر مهم، وطلبت منى موعدا لزيارتنا. فالتقيتها فى اليوم نفسه ودار بيننا حوار طويل حدثتنى فيه عن شاب فى مقتبل العمر مملوء بالقوة والنشاط والذكاء. تعرض لحادث سيارة فتسبب فى إعاقته فصار أسير كرسى متحرك، وساءت حالة والده النفسية، فلزم الفراش عدة أيام ثم رحل عن الدنيا، وأصيبت والدته بجلطة فى المخ فأصبحت هى الأخرى قعيدة، ولا تستطيع الحركة من مكانها إلا بمساعدة من الآخرين. وانصرف أخوته إلى عوالمهم الخاصة، ولم يعد أحد يسأل عنه، ولا عن أمه، فطويا أحزانهما فى نفسيهما. واشتدت بهما متاعب الحياة، لدرجة أن أمه إذا أرادت كوب ماء لا تجد من يأتيها به، وإذا احتاج الذهاب إلى الحمام يعجز عن الوصول إليه، بل إن جسمه امتلأ بقرح الفراش، وأجريت له أكثر من عشرين جراحة، ومنذ أن أقعده المرض لم يجد بجانبه سوى العاملين بالمستشفى الذى يخضع فيه للعلاج. فكان يعطيهم بعض الجنيهات لكى يهتموا به، ويساعدوه على قضاء حاجته.

 

واستمعت باهتمام إلى كل كلمة قالتها السيدة عنه، وأدركت الطلب الذى جاءت من أجله، وقلت فى نفسى: إنه الحلم الذى طالما راودنى فى منامى, وبالفعل واصلت كلامها قائلة: «إنه برغم الآلام والمصاعب لم يعرف اليأس. بل ويقول إنه يحسن الظن بالله. ويحدوه الأمل فى أن يجمعه الله بمن تقدر ظروفه بعد أن طرق أبواب قريباته، فلم يجد منهن سوى «مصمصة الشفايف». فهل تقبلينه زوجا. ولك الأجر والثواب عند الله؟, فإنخرطت فى بكاء حار. وإنهمرت الدموع من عينىّ وأنا أرد عليها بتلقائية: «إنه فتاى الذى رأيته فى المنام..» فكانت إجابتى تعنى الموافقة مهما تكن ظروفه، وعرضت الأمر على أسرتى فعارضونى بشدة، فالأمر ليس هينا، واعتبرونى مدفوعة إلى هذا الشاب من باب الشفقة، واننى سوف أقاسى الأمرين إذا أقدمت على الارتباط به، فلم أبال بكل ما قيل لى، وتزوجته بارادتى وسط دهشة الجميع، ولمحت فى عيون من زارونى بعد الزفاف السؤال الصامت: لماذا فعلت ذلك بنفسك؟ ومنطقهم أنه لايحق للمعاق أن يعيش مثل السليم، وعليه أن يظل حبيس كرسيه المتحرك إلى أن يحل أجله المحتوم، لكن حالى لم تكن كذلك أبدا، فلقد وجدتنى أعيش معه أجمل لحظات حياتى، وكلما نظرت إلى وجهه الصافى إزددت حبا له. ولا أبالغ إذا قلت لك إننى وجدته «جنة الدنيا»، وذات يوم حدثنى عن رغبته فى طفل يملأ علينا حياتنا، فقلت له:«لاتقلق ربنا معانا، وسيرزقنا به وقتما يشاء». فأنا إنسانة قدرية، أعلم أن الله لايعجزه شىء، ولم أبال بهمسات البعض الذين يظنون أنى «مجنونة». وخيالى واسع، فهؤلاء لايدركون أن الله عند ظن عبده به، ويقول فى حديثه القدسى: «أنا عند ظن عبدى بى، فليظن بى ما شاء»، وبالفعل حدث الحمل، ولكنه لم يكتمل لحكمة يعلمها الخالق العظيم. وأدركت أنها رسالة بأنه عز وجل إختار لنا ذلك، ولم يمض وقت طويل حتى تكالبت الأمراض على زوجى، فأصيب بالفشل الكلوى ثم الكبدى، ثم القلب وسط ذهول الأطباء. وعشنا ذل الحياة فى المستشفيات، ولقينا معاملة سيئة من الأطباء والممرضات، فنحن لا نملك مالا لعلاجه فى غرفة خاصة به، ولم يكن متاحا لنا سوى عنبر مجانى للرجال، وكنت أنام وسطهم على الأرض، ساترة نفسى ببطانية قديمة، ولا يغمض لى جفن ولا تغادر الدموع عينىّ على ما ألمّ به، وكم قال لى: اتركينى وتعالى فى الصباح، فأرفض بشدة، إذ كيف أتركه وهو قلبى وروحى؟ وكيف أسمح لنفسى بأن أتخلى عنه وقت حاجته لى؟ ولم يكن هذا مبعث قلقى أبدا، بل كنت أموت فى كل لحظة خوفا عليه، وأناجى ربى بأننى لا أقوى على فراقه. وأقول له: انت القائل فى كتابك الكريم: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا». فهو نفسى وحياتى.

 

ولقد بلغ رضا زوجى بما قسمه الله له حدا لا يصدقه أحد، فلقد حدثنى وهو فى أصعب مراحل العلاج قائلا: «أتدرين لماذا كلما شفيت من مرض دخلت فى آخر؟.. لأنى طالب مكانة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولن أقول لك ماهى هذه المكانة الآن، وسوف تعرفينها فيما بعد»، وأخذ يكرر السؤال والاجابة، كلما رآنى حزينة، وعندما أقترب منه يضع يده على رأسى ويقول: «طلبت من ربى أن تكونى زوجتى فى الجنة.. فأنا أريدك أنت، ولست فى حاجة إلى الحور العين» وكان يتكلم وهو ينظر إلى السماء وكأنه يرى مكانه فى الجنة، ثم يحدث نفسه فى صوت خفيض: إنها رسالة أؤديها حتى حين» ثم يتجه نحوى ويقول: أريد أن أزور بيت الله الحرام، وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن معنا تكاليف الحج، فيتقطع قلبى، ولا أجد ما أهدئ خاطره به، وإذا برجل وسيدة من معارفنا، يدخلان علينا، ويهدياننا تكاليف العمرة، وكأنهما يقرآن لسان حالنا.. ألم أقل لك ياسيدى إن الله مطلع علينا، ويعلم ما تخفيه صدورنا، وكانت مفاجأة للجميع، ونفض زوجى عن نفسه المتاعب والأمراض، ودبت فيه الصحة، وصار أكثر همة ونشاطا، وشمرت عن ساعدىّ، واعددت أشياءنا الضرورية للعمرة، وذهبنا إلى الأراضى المقدسة، ودخل زوجى الروضة الشريفة وصلى ركعتين ثم غلبه النعاس، فإذا به يشعر بالنبى يقف أمامه، وقد أدرك انه فى الجنة، والتف حوله الصحابة رضوان الله عليهم، ويسألونه ماذا فعلت لكى تصل إلى هذا المكان؟.. وقبل أن يجيبهم طلب أن يرى الجنات التى تجرى من تحتها الأنهار، وتناول الكثير من ثمار الجنة، وتجول فى أرجائها، وقيل له أتريد أكثر من ذلك؟.. قال: وهل هناك ماهو أكثر منه؟ قالوا نعم: النظر إلى وجه الله تعالى؟. وحدثنى بكل ما رأى فى حلمه، وسألته: بماذا شعرت بعد ذلك، قال: أحسست بلذة روح جميلة لاأستطيع وصفها».. ورجعنا من العمرة وأيقنت بعدها إقتراب أجله، ولم يمض أسبوع حتى فارق الحياة، وفاضت روحه إلى بارئها فى هدوء وصمت، وجالت بخاطرى الأحداث التى مررنا بها، وتمنيت أن أكون رفيقته فى الجنة، وأزف إليه عروسا، ويكتمل مشهد فرحى الذى لم يكتمل فى الدنيا، وأنجب منه الولد الذى طالما تمناه، فأنا حسنة الظن بالله، وأحمده لأنه اصطفانى لأكون من نصيب هذا الشاب الجميل، وأدعو كل فتاة ألا ترفض أى شاب لإعاقة أو مرض به، فالله لا يأخذ شيئا إلا أعطى أجمل منه، وقد تقضى الفتاة مع شاب معاق لحظات رائعة لا تتوافر لها إذا ارتبطت بشاب سليم، وأقول للمرضى والمعاقين لا تيأسوا من رحمة الله واستغفروه، وادعوه، وتوكلوا عليه، يحقق لكم أحلامكم فى الدنيا والآخرة.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

 

ما أروع وأعظم دروس تجربتك فى الحياة، فهى تعلمنا الأمل وعدم اليأس، وأن نصنع من الأحداث التى نمر بها شرابا حلوا، ونأخذ منها العبرة والعظة، فنمضى إلى الطريق السليم الذى يوصلنا الى الغايات والأهداف، وتعلمنا أيضا أن كلا منا فى حاجة الى وضع هدف كبير له بما يكفى لأن يصبح شخصا ذا قيمة وأهمية، فلقد أحسست بمشاعر طيبة برغم انصراف العرسان الأصحاء عنك، ولم ترضى بأن يضعك المهندس الشاب فى مرتبة أقل منه حتى لو كان فى مستوى اجتماعى يفوقك، ولم تعرفى الضجر ولا الضيق من صنيعهم، وكان مبعث طمأنينتك أن انصرافهم عنك، وعدم قبولك بهم، ان ما حدث لا يعنى لك سوى أن الله يدخر لك من هو أفضل منهم، وأنه عز وجل يقودك الى الحياة المناسبة لك، وأن كل أمورك تسير بترتيب من الله.

 

ولم يتوقف صنيعك عند هذا الحد، فأعطيت ما منّ الله عليك به من صحة وإخلاص لشاب شاء القدر أن يتعرض لحادث أفقده ساقيه، فعشت مرتاحة البال، قريرة العينين، بعد أن وجدت معه الراحة والسعادة التى افتقدتيها فى الأصحاء، وكان الدرس الجديد الذى يغيب عن الكثيرين وهو ضرورة أن يتعلم الإنسان العطاء، وإلا خسر كل شىء، وحينما تسيطر عليه عبارة «لا أستطيع» يتحول الى شخص سلبى بلا قيمة، فالحقيقة أن هذه العبارة هى أكثر قوى السلبية فاعلية فى النفس البشرية، ولقد أكدت تجربتك أيضا أن الله خلق كلا منا ليكون متفردا شىء ما ومنحه مواهب خاصة به وحده، وهو الذى يستطيع أن ينميها ويظهرها، أو أن يدفنها فى حياة بلا معنى ولا قيمة.

 

ويعكس زواجك من الشاب المعاق رضا وقناعة به، فلقد أدركت أنه يحتاج الى الحب والحنان والمساندة أكثر من غيره، ولذلك استقرت حياتكما معا ولم يعكر صفوها قلة ذات اليد، وزاد من سعادتكما أن زوجك لم يعرف الانكسار أو الشعور بالنقص، وربما استشعر الرضا فزاده الله إيمانا ويقينا بأنه عز وجل يدخر له فى الآخرة ما سوف يغنيه عن كل مباهج الدنيا، وأراد أن تشاركيه النعيم الذى أحس به فى اللحظات الأخيرة لحياته فقال لك: انه سيطلبك زوجة له فى الآخرة، يا له من حب عظيم، وإحساس صادق، ودليل أكيد على عمق محبته لك، ولو أن الآخرين الذين تخلوا عنك ونظروا إليك «النظرة الطبقية» يعلمون ذلك لما استمروا فى غيهم، ولهداهم الله سواء السبيل، ولعلهم يثوبون الى رشدهم عندما يقرأون تجربتك الجميلة.

 

بل إن المعاقين أو من يطلق عليهم «الضعفاء» قد يكونون مصدر خير، وينظر إليهم الإسلام نظرة احترام وتقدير، ولا يجيز النظر إليهم نظرة ازدراء وتقليل, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبغونى ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم».

 

وحينما ضحك بعض المسلمين من ساقى عبدالله بن مسعود النحيلتين يوم أن صعد نخلة أمامهم، فرد عليهم الرسول الكريم قائلا «أتضحكون من ساقى ابن مسعود؟ إنهما أثقل فى الميزان عند الله من جبل أحد»، ولقد نهى القرآن الكريم نهيا عاما عن أن تتخذ «الظواهر الخلقية» سببا للتندر أو العيب أو التقليل من شأن أصحابها، ويجب أن ينال المعاق حقه كاملا فى المساواة بغيره لكى يحيا حياة كريمة فلا يفضل عليه أحد مهما يكون مركزه الاجتماعي، وعلينا أن نعى ذلك جيدا، وأن تعيه كل السيدات، فلا يتخلين عن أزواجهن اذا أصيبوا بمكروه, لا قدر الله.. إن اليأس والقنوط والهروب من رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة صفات تتنافى مع روح الإسلام، إذ يقول الحق تبارك وتعالى «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».

 

واننى ألوم على أخوة زوجك الراحل انصرافهم الى أنفسهم، إذ لابد أن نؤثر المعاق على أنفسنا، بحيث نندفع الى تقديمه على الأصحاء حتى نرفع روحه المعنوية، ولعل ذلك يساعده على الاندماج فى الأسرة، فالمريض بالإعاقة الجسدية اذا أهملناه تسوء نفسيته، وتزيد حالته تعقيدا، كما ان الإيثار خلق إسلامى حيث يقول الله تعالى «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».

 

لقد عرفت الطريق الصحيح نحو السعادة، ورضيت بما قسمه الله لك، وتغلبت على اليأس الذى يسيطر على الكثيرين لمجرد فشل تجربة أو اثنتين فى حياتهم، ومازالت الفرصة سانحة أمامك لمواصلة طريقك الى النهاية، فعوّدى عقلك على الأمل وتوقعى الخير فى المستقبل، فلا يوفق الإنسان فى شىء كما يوفق الى تنمية ملكاته الطبيعية، بحيث يوسع أفقه ويتعود السماحة وسعة الصدر، ويتعلم أن أحسن غرض يسعى إليه، هو أن يكون مصدر خير للآخرين قدر استطاعته، وأن تكون نفسه باعثة للضوء والحب، وقلبه مملوءا عطفا وإنسانية، وقدرة على إيصال الخير إلى كل الناس، وأحسب أنك توصلت الى ذلك كله بالصبر والعزيمة والأمل فى الله، فابتسمى للحياة تصف نفسك، وقد كان العرب يمدحون ضحوك السن، ويعتبرون ذلك دليلا على سعة النفس وكرم السجايا ونداوة الخاطر:

 

ضحوك السن يطرب للعطايا

 

ويفرح إن تعرض بالسؤال

 

وأفضل العبادة انتظار الفرج، فالأيام دول والحكيم كل يوم فى شأن، وإن مع العسر يسرا، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإنى أرى أن أيامك المقبلة ستكون أكثر راحة وطمأنينة وسعادة، فأطمئنى تماما، وما أكثر من انتهجوا نهجك وسعدوا فى دنياهم، أما أولئك الذين تذمروا وارتعدوا وحبسوا أنفسهم بعيدا عن مباهج الحياة، فما نالوا شيئا، ويقول الشاعر فى ذلك:

 

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا

 

وعناهم من شأنه ما عنانا

 

ربما تحسن الصنيع لياليه

 

ولكن تكدر الإحسانا

 

إن الحياة الدنيا لا تستحق منا العبوس، وهو ما أدركته فى وقت مبكر بصنيعك الجميل، وأعطيت درسا مهما للجميع باصطناع السرور واجتلاب بسمته واقتناص أسبابه، وتكلف بوادره حتى يصبح طبعا فينا، وأخيرا أرجو أن تنفضى غبار الأحزان، وتتطلعى الى غد تشاركين فيه من تكملين معه المشوار وتصلان معا إلى شاطئ السعادة بإذن الله.

لا تعليقات