عندما يبدع الناقد في قراءة النص، لا أجد من العبارات ما يعبر عن شكري وامتناني وتقديري للأستاذ الدكتور الناقد الكبير/ عبدالحافظ بخيت متولى لمَ بذله من جهد راقي ومتميز لتصلكم هذه الدراسة النقدية الرائعة لرواية #شام_لاجئة_إستوطنت_قلبي.
وكل الشكر لنادي أدب البلينا دورة ٢٠٢٣-٢٠٢٥ ومدير نادي الأدب الشاعر المبدع الأستاذ/ نبيل وزيري الهواري وبيت ثقافة البلينا.
أتمنى أن تروق لكم مع خالص ودي وتقديري وامتناني لجميع الأهل والأصدقاء ومتابعي صفحتي، دمتم لي ودام حضوركم الراقي.
الكاتب أيمن موسى
ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
تجليات الواقعي والفني
قراءة في رواية شام لاجئة استوطنت قلب للكاتب / ايمن موسي
بقلم / عبد الحافظ بخيت متولي
إن القيمة الذاتية للإبداع الأدبي أو ما يسمي بأدبية الادب لا تستبعد الاهتمام الاساسي بالوظيفة الاجتماعية للإبداع الفني ،وانحيازه الاجتماعي وموقعه من أرض الواقع ،فالإبداع الأدبي ليس خطابا جماليا فقط ،وانما هو خطاب تنويري تقدمي إنساني، ولذلك فالإبداع الأدبي قراءة للواقع قبل ان يكون كتابة عنه، ومن هنا فإن هذه الرواية تمثل خطابا جماليا عن واقع تاريخي ومتخيل في الوقت نفسه، حتي تتحقق شرطية الإبداع فيها وهذه الرواية تطرح عدة اسئلة ربما كان اهمها سؤال المرجعية وسؤال المتخيل و الكتابة الفنية حتي نرصد التجليات الفنية والواقعية فيها
أولا: حكاية الرواية
تدور هذه الرواية حول حكاية انسانية سياسية لأسرتين مختلفتين هما اسرة شذا او شام كما يحب ابوها ان يطلق عليها هذا الاسم ،وهي اسرة مكونة من اب وام وروان وشذا، بالإضافة الي باسل ابن عم شذا وزوجها علي الورق في الوقت نفسه، اضطرت الاوضاع السياسية الاخيرة في سوريا هذه الاسرة أن تترك سوريا وتسافر الي مصر بحجة علاج شذا وهربا من جحيم الصراع الايديولوجي والسياسي في سوريا ،وجحيم الحرب شأن معظم السوريين في ذلك الوقت ،وتسافر الزوجة ومعها البنتان روان وشذا او شام، ويبقي الاب وباسل زوج شذا لحين تدبير امر سفرهما الي القاهرة، وفي القاهرة تلتقي اسرة شذا مع اسرة مازن المكونة من مازن وامه وخالته وسمر، وتنشأ علاقة انسانية بين الاسرتين، ويقع مازن في غرام شذا حتي بعد ان اكتشف انها مريضة بالسرطان ،ورغم ان امه وخالته ينويان زواجه من سمر ابنة خالته ،وحين يتقدم الي خطبة شذا يكتشف انها متزوجة علي الورق من باسل ابن عمها الذي فقد في الحرب والذي كان يحب رهف التي فقدت في الحرب ،وحين تعرف سمر حب مازن لشذا تتزوج من شخص اخر، وتدور احداث الرواية في هذا الاطار الإنساني السياسي الي ان تنتهي بزواج مازن من شذا وارتباط باسل بسمر وتسافر شذا مع مازن لتلقي علاج السرطان في لندن، وتلك المعلومات السابقة مبثوثة في فصول الرواية وليست مجتمعة في مكان واحد وبالتالي فإنها معلومات تكشف عن مفاتيح شخصيات الرواية لأنها الشخصيات تبدو عامة في الفصل الاول ثم تكشف عن نفسها من خلال السياق الروائي الذي استخدمه الكاتب في بقية فصول الرواية
ونرصد عدة ملاحظات في المتن الحكائي للرواية ربما كان اهمها
1- ذلك التأسيس الكاشف لطبيعة هذه الحكاية والذي يبدا من سوريا وتتداخل فيه عدة شخصيات ثانوية تسهم في بنية الحكاية فنيا وتؤكد علي مرجعية الرواية الواقعية والسياسية، فباسل وصديقه قصي يلعبان دورا سياسيا في احداث سوريا ويتخذ منهما الكاتب فاتحة نصية لهذه الرواية يتأسس عليها الحكي ،وتأتي شخصية تالة والتي كان لها دور رمزي مهم في مقدمة الرواية وخاتمتها كنوع من دعم هذا التأسيس والتي تلعب دورا ثانويا ايضا في توسيع مجال الحكي واضفاء الرمزية علي الرواية
2- فضلا عن الشجن الانساني في هذا التأسيس يأتي الفقد كظاهرة انسانية لتعميق هذا الشجن، فباسل فقد حبيبته رهف وتالة فقدت حبيبها ايضا جراء هذه الصراعات السياسية والقتال الدائر في سوريا
3- هذا التشابه الانساني بين الاسرتين وتعرية الشخصيات من الداخل، فباسل يحب رهف والظرف الانساني جعل اسرته تزوجه من ابنة عمه شذا التي تعتبره اخاها ولم تفكر فيه كزوج ،ومازن يحب شذا ويرفض الزواج من سمر ابنة خالته والتي يعتبرها اخته ثم تنتهي الرواية بشكل عجيب فيه رمزية مهمة حيث يتم زواج مازن من شذا والتي لعبت فيه سمر دورا مهما وكذلك باسل وهذه النهاية تحمل رمزية انتصار الارادة علي كل المعوقات والقدرة علي النصر مع العزم والتصميم برغم ان الرواية اضفت نوعا من المثالية الانسانية علي الحكي وصناعة الشخصيات
ثانيا :سؤال المرجعية
ان المرجعية الحقيقية في هذه الرواية هي مرجعية الواقع الذي استمد منه الكاتب الاطار العام للرواية فالكاتب ليس معزولا عن واقعه يتأثر به ويؤثر فيه ،ولذلك يتحدث شكري عياد في كتابه "الرؤيا المقيدة" الصادر عن هيئة الكتاب عن الواقع الاجتماعي للأديب، ويري ان نزعة البشارة والحلم والتجاوز فيما يقوله الاديب هي نتاج مجتمعه ،وان كل ما يتلقاه من افكار ومشاعر هي من صنع هذا المجتمع حتي فنه هو صورة لمجتمعه ولذلك فان هذه الرواية هي بنية فنية داخل بنية اكبر مرهونة بصيغة المكان والزمان والمعلوماتية والقيم المختلفة التي تتداخل بين الفن والواقع وهذه المرجعية تتحكم في الاطار الفني للرواية بدءا من العنوان ونهاية بالقيم الجمالية التي تضمنتها تلك الرواية وأول ما يستوقفنا هو هذا العنوان الرئيسي الذي اختاره الكاتب لروايته " شام لاجئة استوطنت قلبي" إن هذا العنوان عنوان يختلط فيه المعني الرومانسي بالمعني الانساني والسياسي وهذا ما جاءت الرواية محمولة عليه فشام مفردة لا يمكن اكتشاف دلالاتها من غير قراءة الرواية لنعرف انه اسم لأنثى سورية ولاجئة تشير الي حالة سياسية فرضت وضعا سياسيا وانسانيا محمول علي الغربة والالم وجملة استوطنت قلبي بالرغم من رومنسيتها الا انها مفتوحة الدلالة علي المعني الانساني والسياسي ايضا ولذلك نحن امام عنوان اختزل حكاية الرواية بامتياز واشار الي مرجعيات واقعية وانسانية
واذا كان الواقع الإنساني والجغرافي هو الحاكم الأول للبنية في هذه الرواية فهل توقف الكاتب عند رصد هذا الواقع باعتباره واقعا جغرافيا وتاريخيا ايضا وقام برصده داخل هذه الرواية ؟ في تقديري ان الكاتب هنا لم يتوقف عند حدود الواقع فقط لأنه ليس مؤرخا يجمع الحوادث كما هي ويوثقها ويبحث عن تفاصيلها ، وهو ايضا ليس صحفيا يكتب اخبار الحوادث وينقل الحادثة كما شاهدها مع بعض التقنيات الصحفية وانما هو اديب يتخذ من الواقع هيكلا عاما ويكسوه لحما ودما ليكتب ما نسميه كتابة فوق الواقع وهذا هو الفرق بين المؤرخ والفنان ، فالمؤرخ يقف عند الهيكل العام الذي يقدمه له التاريخ دون ان يخلع عليه من لحمه ودمه ، اما الفنان فانه يأخذ هذا الواقع ويسحبه الي قرارة نفسه ويضفي عليه من لحمه ودمه ما يحيله الي واقع جديد وخاص ، ويخطئ من يعتبر ان الشخصيات داخل الرواية هي شخصيات حقيقية في الواقع انما هي شخصيات من صنع الكاتب حتي لو كان لها فعلي في الواقع، ولذلك فان هذه الرواية قدمت لنا الواقع عبر رؤيته الخيالية ايضا في تركيبة جديدة قدمت عنصر الدهشة ولذة التلقي والمرجعية الاساسية لذه الرواية هي الواقع الاجتماعي والانساني والسياسي واستطاع الكاتب ان يجعل هذا الواقع اطارا تأسيسيا لا يستند علي تصور الموضوعات فقط وانما ايضا يقدم شكلا جماليا معتمدا علي وسائل الكتابة الفنية المختلفة ، لذلك فوسائل الكاتب في هذه الرواية كانت وسائل فنية تجاوزت واقع الرواية كثيرا من حيث البداية المشوقة والشخصيات المركبة والرؤية الفلسفية والسياسة وتوظيف الطبيعة والتناص مع الشعر ولغة صحيحة وحوار يأتي في حينه وتلك الإيماءات الفنية والرمزية والانتقال من حدث الي حدث في تشابك فني ومن شخصية الي شخصية وغيرها من الوسائل الفنية التي سوف نرصدها في هذه الرواية، وكل هذه الفنيات جعلت واقع هذه الرواية يخلو من الضبابية والقتامة والغموض رغم مأساة الواقع الذي استندت عليه
ثالثا : سؤال الفن
ان التجربة الروائية ترتبط بعدة عوامل تحولها من اطار الكونية الي اطار الجمالية وهذه العوامل اهمها السرد الذي ينبني علي الزمان والمكان والاحداث والأشخاص ولذلك فان آليات السرد هي
1- الزمن
علينا ان ندرك ان العمل الفني يرتبط بثلاثة ازمان قد تكون متشابكة يحيل كل منهم الي الاخر والزمن في هذه الرواية زمن الكتابة اي زمن كتابة الرواية واعتقد ان الكاتب اختار حدثا مركزيا يشير الي زمن الكتابة وهو ثورات الربيع العربي والحرب في سوريا فهذا زمن تاريخي ثابت وهذا النوع من الزمن يضفي نوعا من التاريخية علي الرواية رغم ما فيها من بني فنية خيالية ثم زمن الاحداث داخل الرواية والذي جعله الكاتب زمنا مرتبطا بنفس المرحلة ولذلك فهو زمن مقيد وليس ومنا حرا متربط بتلك الفترة التاريخية وما كان فيها من صراعات سياسية وانسانية وهذا ما يبرر لنا تماهي الزمن في صناعة احداث الرواية وتنقلات الشخوص وحركتها داخل الرواية ، ولذلك فأن الذي يتجدد في الرواية من فصل إلى آخر هو المكان والحدث، ويكاد كل مكان أن يشكل عالماً مستقلاً بذاته لولا الخطاب السياسي الذي يقوم بعملية التلحيم ويلعب دور الوصل بين الأمكنة والرابط بين الأحداث فأسرة شذى تتشابه في ظروفها الانسانية مع اسرة مازن لكن المتغير هو الحدث السياسي والانساني الذي يلعب دورا كبيرا في صناعة المتخيل في الرواية مما يعطي الاحداث طزاجة ودهشة ثم زمن التلقي المرتبط ايضا بزمن الكتابة وزمن الاحداث فان من يقرا هذه الرواية بعد عشرين عاما مثلا يعرف متي كتبت ويشعر بالزمن المقيد داخل الرواية فمثلا حين تتحدث نسرين مع زوجها عن السفر من سوريا الي مصر لم يكن للزمن حضور في الحدث المركزي وهو انتقال اسرة جمال من سوريا الي مصر بل تنقلنا الاحداث الي ان الاسرة انتقلت فعلا دون اشارة الي متي انتقلت او كيف انتقلت
2- الشخصيات
ان التاريخ مرتبط بسلطة معينة تنتجه وتحميه وفق منظور ايديولوجي يمنحه نوعا من القداسة والرواية الحديثة تتجاوز الطابع التعليمي للرواية الكلاسيكية حيث تهدف الي المتعة والتنوير معا ولقد اعتمد الراوي علي تقنية التمثيل والسرد من خلال اسرتين متشابهتين في الظرف الانساني مما جعل التابين السردي يتحكم في مسار الرواية وجعل الشخصية كيان يسرد عن نفسه ويسرد عن مواقف الاخرين
ولذلك لجأ الروائي إلى تقديم مقاطع وصفية في الفصل الأول من الرواية يرسم فيها ملامح الشخصية وطباعها بوساطة الراوي فقد وضحت لنا طبيعة باسل المناضل وجمال الانسان وقصي الفيلسوف وتالة الرمز الجمالي لسوريا ونسرين المرأة القوية ومازن الانسان الرهيف وسمر ذات العمق النفسي المخيف ومن هنا تظهر ملامح الشخصيات في هذه الرواية ذات ابعاد وطنية ونفسية وانسانية واجتماعية وتتشابك هذه الابعاد في بناء كل شخصية وتكشف عن رؤيتها للعالم وقدرتها علي التفكير المختلف وتلعب دورا مهما في نمو الحدث وصناعة الحبكة والصراع داخل الرواية مما يدفعنا الي القول ان تداخلا بين ايدلوجية الكاتب ورؤاه الانسانية والمستوي النفسي لشخصياته ولذلك فليس هناك بطل محوري فكل الشخصيات ابطال بل يكاد يتساوى دور كل شخصية في تقديم البطولة وفي ظني ان الوطن هو البطل الحقيقي في هذه الرواية والجميل في شخصيات الرواية ان كل الابطال خيرون حتي في حالات النزاع النفسي لم يلجأ الابطال الي الشر وهذه الرؤيا تحسب للكاتب في بنية شخصياته لأنه انتصر للإنساني الجميل علي حساب الفوضوي القبيح
3- السرد
استخدم الكاتب المهج الوصفي في السرد واعتمد بشكل كبير علي الاسلوب المشهدي وتقنيات السينما في تحريك الشخصيات نمو الحدث وتطور الصراع وكانه عين كاميرا تتحرك بواسطة الراوي لتلتقط المشاهد وتسجلها فقد بدأت الرواية بداية وصفية تاريخية حين بدأ السرد منطلقا من حوار باسم مع قصي بعدما تأملا الدمار يطال حلب الشهباء. ليت من يشعلون فتيل الحرب يستطيعون اخمادها ،ليتهم يعلمون ويدركون ان الحرب ليست سوى مرآة للألم والوجع ، من ينظر اليها لا يمكنه ان يري سوي الخوف والفزع مع كرامة مهترئة وجراح نازفة تئن وجعا والما لا تندمل الا بالموت ، لماذا يا قصي ؟ وهل كان الأمر يستحق ذلك؟ وهل سينصفنا التاريخ ذات يوم وكالعادة وكما تعودنا سيكتبه دوما المنتصر ايما من كان صاحب حق او بلا ضمير " ويستمر الكاتب في وصف حالة الدمار والاسي علي لسان باسل وقصي في حالة مشهدية يختلط فيها الفن بالسياسة حتي يصبح الجنوح الي الشجن محور هذا المشهد ويمتد السرد كاشفا عن نمو الحدث وتعقيده وديمومة الحبكة ويري البعض ان كل راوٍ يقوم بعمليتين في السرد هما القطع والاختيار او الحذف والاثبات لان الكاتب لا يصور الحياة كلها وانما يقتطع منها ما يلائم فكرته ولذلك فان هذه الرواية اقتطعت من الحياة جزءً كاشفا عن صراع ين متوازيين صراع سياسي دال علي تمزق الحياة في سوريا يصاحبه صراع نفسي حرك السرد نحو الداخل الانساني وصراع رومانسي يشبه رمانة الميزان في اقامة توازنات نفسية وحبكة فنية كانت اشبه بالصراع السينمائي بيد ان السارد الضمني كان موفقا كثيرا في تسلسل وقائع السرد والانتقال من منطقة الاشتعال الي منطقة الهدوء في مناطق كثيرة في الرواية
فاشتعال مازن النفسي حينما يعرف ان شذا متزوجة ابن عمها علي الورق قبل ان تحضر الي مصر لا يحطمه ولا يصيبه باليأس لم يفقد الامل في ان يرتبط بها وذلك الالم الذي سيطر عليه واجري دموعه حين عرف انها مصابة بالسرطان لم يفقده الامل في شفائها ولذلك فالسرد\ جاء هنا يحمل احداثا مقتطعة من حياة كبري وكونية والاحداث التي صنعت الحبكة في الرواية احداث تشبه الواقع الموضوعي لكنها لا تطابقه لان المتخيل السردي يفتح مجالات كثيرة لتطورات السرد وبناء الشخصيات الامر الذي جعل الكاتب يهتم حتي برسم ملامح كل شخصية في اثناء الحوار ولا اعلم مبررا لاستعارة هذه التقنية المسرحية من
مازن وعلي استحياء / نسرين وهي تنظر اليه بحب / شذى بابتسامة باهتة / مازن بخجل وهو يقول / مازن وهو يقبلها فوق راسها قائلا / شذا وهي تضغط علي يدي والدتها وبصوت متهدج / وغير ذلك
وكان الراوي يصمم علي رسم ملامح الشخصية بهذه الزيادات غير المبررة فنيا كما ان هناك الراوي العليم الذي يعرف كل شيء ويراقب داخل الشخصية وخارجها ويأتي صوته اعلي من صوت الشخصية مما اضطره الي زيادات في المعلومات تفهم من السياق فمثلا يقول الراوي في صفحة 74" كان المستشفى ورغم انه خاص وذو مصروفات مرتفعة بالمقارنة مع المستشفيات الحكومية" طبيعي مادام تم وصفه بانه خاص معروف لدينا ان مصروفاته عالية فما قيمة هذه الحشو ؟ والراوي العليم الذي يتدخل في كثير من المور نراه يصف لنا ايضا حال المستشفى من الداخل حيث يقوا مثلا في صفحة 73 :
"لاشك انك عندما تذهب الي المستشفيات سيخيل اليك للوهلة الاولي ان الجميع مرضي ولا احد يمتع بالصحة بالمستشفيات عالم آخر وحياة غير الحياة التي تعودت عليها بالخارج هنا ستري مالم تره باي مكان آخر ، هنا عالم كبير يكتظ ويضج بآلام البشر ومعاناتهم وكأنه سوق وبضاعتها مزيج من الوجع والالم اما روادها فلكل منهم ألمه وهمه الخاص ، سوف تري بعينيك كيف ان الانسان ضعيف بل هو ضعيف جدا وهش ، هنا لا مان لتلك الاقنعة التي تزين الوجوه بالخارج فقد تجد قناع القسوة او قناع الغش والخداع فقط ستري ملامح الانسان الحقيقية مزينة بتعابير الألم ، هنا فقط ستدرك اهمية الصحة وكيف انها كنز الانسان الحقيقي وسنده عندما يخونه كل شيء وعندما تخذله الدنيا بكل ما فيها من زخرف ومتاع ، بالمشافي فقط ستدرك اهمية كل ما وهبنا الله من نعم نكاد الا نشعر بوجودها من كثرة ما الفناها وتعودنا علي وجودها"
هنا صوت المؤلف وسيطرة الراوي العليم الذي يصمم علي وصف كل شيء يقابله في طريقه فيفسد احيانا لذة التلقي ويربك المتلقي بمثل هذا المقطع صوت الحكمة والذي لا قيمة له هنا سوي انه حشو وزيادة ومع ذلك يبقي السرد في هذه الرواية سردا مشوقا فعالا في نمو الاحداث ويربط الوقعي بالتاريخي ويقدم مبررا فنيا للمتخيل واتاح للكاتب استخدام تقنيات فنية دعمت رؤيته الفنية منها توظيف الشعر كما في صفحة 26 حيث جاء الشعر علي لسان تالة لتؤكد علي عميق حزنها في وفاة حبيبها علي حيث تقول:
ليتني لم أدنه مني ... دنو القلب من الوتين
أو أبحرت معه بالتمني ... هشَّةً يسبقني الحنين
لو أدركت أنه وأني ... معزوفة لناي حزين
وقد نجح الكاتب بتضفير السرد مع الشعر في موقف شفاف ونبيل في لعبة فنية جميلة وقد نجح السرد ايضا في تشابك الخيوط الروائية مع الخيوط الواقعية والانسانية والسياسية في هذه الرواية عب سرد من خلال احداث وافعال واقوال وحوارات جرت علي متن الفني في الرواية محمولة علي عاتق شخصيات نقية وفاعلة في السرد فعلا كبيرا مما جعل السرد يلمح ولا يرح مستخدما الترميز الفني الشفاف الذي كسر الحاجز بين الشخصية والوطن بمثل ما جاء علي لسان السارد في صفحة 140 / 141 حيث يقول :
"كانت الكاميرا تتجول لنقل المأساة بكل تفاصيلها خلف تلك الفتاة مقدمة البرنامج والتي كانت تقول بحزن والم يمتزجان بالغضب :عندما تموت الضمائر فلا حياة لمن تنادي عندما يموت الاطفال بردا وجوعا فلن أسألكم عن الضمير عندما يتحول الموت الي تجارة والموتى الي ارقام فلن أسالكم أو أحدثكم عن الضمير، عندما تباع الأوهام علي قارعة الطريق ،فلن أحدثكم أو أسألكم عن الضمير أردفت تقول بألم ولكن بينما تملؤون بطونكم وتحتضنون أطفالكم وتنعمون بالدفء تذكروا انكم وبصمتكم لم تخذلونا نحن فقط ولكنكم قتلتم وقبل ذلك ضمائركم بل والانسانية جمعاء" هنا يتجلى الرمز السياسي وكان الرواية بدأت سياسيا وانتهت سياسيا وما بين البداية والنهاية يأتي الجانب الانساني الشفاف في الصراع من اجل الحب وهذه التوليفة نجح الكاتب من خلال السرد ان يكسر الحواجز بين الانساني والسياسي
4 – المكان
يمثل المكان اطارا عاما لوقوع الاحداث وتقلبات السرد ويتيح للكاتب تحريك شخصياته في محيط انساني معلوم من خلال توظيف المكان وهذه الرواية استخدمت المكان مرهونا بالتنقلات المختلفة للشخصيات فيها وقد استخدم الكاتب هنا اماكن عامة مثل سوريا وحلب ومصر واماكن فرعية مثل المستشفى والمطار واماكن الاقامة فالمكان في سوريا مرتبط بأحداث سياسية مشتعلة بينما المكان في مصر يدفع الشخصيات الي الشجن والهدوء لأنها متربط بصفات انسانية فهو مكان للقلوب بينما المكان في سوريا مكان للحروب ولذلك استطاع الكاتب ان يحرك شخصياته وفق طبيعة المكان مما جعل حركة الشخصيات داخل المكان تأتي من الخارج عندما يتأمل باسل وقصي ما يحدث في سوريا وتأتي من الداخل عندما يكون الصراع علي المشاعر الانسانية لذلك فالمكان هنا يلعب دورا مهما في حركة الشخصيات وردود افعالها وقد نجح الكاتب في ان يجعل المكان مفتوحا بما يتيح للشخصيات حرية الحركة وسهولة التنقلات فالكاتب يهتم بنبش أعماق الظاهرة وتفكيك خيوطها ليوقف القارئ على سيرورتها وطبيعتها. فالأماكن أصبحت تعيش تناقضاً صارخاً بين الحرب والحب ولذلك جاءت الاماكن تحمل الجمال والقبح معا
5 – اللغة والكتابة
لعله مما يدعو الي الاعجاب والدهشة والمتعة ايضا تلك اللغة التي جاءت محمولة بالوعي الجمالي في هذه الرواية في لغة طيعة تنساب مع التداعيات السردية وتلملم شتات النفس الانسانية وتنقلنا بيسر بين الداخلي والخارجي في بناء الشخصيات وتداعيات الاحداث تبهج حيث مواقف البهجة وتحزن حيث مواقف الشجن والالم وتشدنا ببراءة الوصف وحسن التصوير مما يحقق لدينا لذة التقي وتدخلنا هذه اللغة في جوانية الحدث والشخصيات وتدفعنا دفعا لان نعيش الصراع المركزي في الرواية وتمسك بتلابيب مشاعرنا فنتعاطف مع شخصيات الرواية وكأنها جزء من تكويننا النفسي كما ان الإيقاع اللغوي نشأ عن تباين الكتابة الخطية حيث الاسود البارز يشكل ايقاعا لغويا مختلفا في تعامله مع بياض الصفحة ويرسم لوحة لغوية جميلة ويركز عل المنطوق علي لسان الشخصيات فيأخذنا اخذا جميلا لخيالات فنية مع هذه الكتابة البارزة وينتج شعرية مختلفة للغة في هذه الرواية ومن ناحية اخري فان هذه الكتابة ذات اللون البارز تثل بقعا سوداء من الحزن والقتامة والظلام. تشكل نتوءات تتفاعل مع الاحدث صعودا او هبوطا وهي تقنية فنية جميلة جلعت المبني قريبا جدا من المعني وكأن العلاقة بين المبني والمعني مثل شاطئين للنهر اذا لامس السرد احدهما رده الي الاخر برفق فيحار السرد علي اي الشاطئين يرسو ويبقي في الختام ان نقول :
ان هذه الرواية استطاعت ان تصوغ واقعا مأزوما اتخذ عدة تجليات منها
1 – ان هذا الواقع يدفع من يعيش فيه دفعا الي الخضوع لنسقه الاجتماعي رغم قسوته
2 – انه واقع يعمل علي هيمنة النظام السائد ويقوم ببتر الخارجين عليه
3- انه واقع يفتقر الي الحرية مما يؤدي الي اغتراب الفرد
4- انه واقع لا منطقي يفتقد المعني والحقيقة
وان هذه الرواية حققت شرطها الفني والجمالي مما يجعلها واحدة من الروايات الفنية ذات الابداع الجمالي والدلالي.
ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ