arhery heros center logo v2

           من منصة تاميكوم 

آخر المواضيع

  • أنواع النكاح في الجاهلية | 21-07-2024
  • المطبات الجوية و أنواعها | 11-07-2024
  • أنواع و وظيفة المراقبين الجويين للطائرات | 26-06-2024
  • كيف يتفادى الطيار المُقاتل الصواريخ جو/جو ؟؟!! | 24-06-2024
  • الحب يروي الحياة .. قصص حب | 17-06-2024
  • الفرق بين ليلة القدر ويوم عرفه؟ ! | 14-06-2024
  • معنى : "الآشيه معدن"  | 13-06-2024
  • الإعجاز في "فَالْتَقَمَهُ الحوت" .. و النظام الغذائي للحوت الأزرق | 21-05-2024
  • إعجاز (لنتوفينك) في القرآن .. هل هو صدفة ؟! | 19-05-2024
  • من قصيدة: شرايين تاجية | 15-05-2024
  • معجزة بصمة كل سورة في القرآن الكريم | 12-05-2024
  • كفكف دموعك وانسحب يا عنترة | 08-05-2024
  • الفارق بين الطيار المدني و الطيار الحربي | 02-05-2024
  • لماذا لا تسقط الطائرة أثناء الإقلاع ؟ | 21-04-2024
  • الجذور التاريخية لبعض الأطعمة المصرية....لقمة القاضي إنموذجاً | 25-03-2024
  • قصة مثل ... الكلاب تعوي والقافلة تسير | 25-03-2024
  • من هم الأساطير و من هو الأسطورة ؟ | 23-03-2024
  • قوانين العقل الباطن | 21-03-2024
  • نبذة عن مكابح الطائرة بوينج 787 | 20-03-2024
  • كيف تمنع ظهور محتوى اباحي و جنسي حساس 18+ على الفيسبوك بسهولة | 08-03-2024
  1. الرئيسية
  2. بريد الجمعة
  3. بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى .. زهرة البنفسج !

أنا سيدة فى منتصف الأربعينيات من عمري, نشأت فى أسرة متوسطة لأب يعمل مدرسا بالتعليم الإعدادى وأم ربة بيت حاصلة على دبلوم المدارس التجارية.

 

وتلفت حولى فوجدتنى وحيدة أبوىّ اللذين أغدقا على حبهما فصرت كل شىء فى حياتهما, وجاء أبى عقد عمل فى إحدى دول الخليج فأخذنا معه, وعشنا هناك سنوات طويلة, وكنا نزور مصر فى الإجازات السنوية بانتظام فنقضى عدة أسابيع بين أحضان بلدنا, ثم نعود إلى البلد العربى حيث يواصل أبى كفاحه فيه, وانخرطت أنا فى متابعة دروسى تحت رعاية أمى, وحصلت على الثانوية العامة بمجموع كبير، والتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية, ولا أستطيع أن أصف لك مدى سعادة أسرتى وفخرها بي, فلقد قرر أبى العودة نهائيا إلى مصر حتى لا يتركنى وحدي, وأقبلت على الدراسة بحب وشغف, ولم أسمح لأى شاب بالاقتراب منى, ولم أؤمن يوما بالصداقة بين شاب وفتاة.. ‎وقبل أن يكتمل العام الدراسى رحل أبى فجأة, وانقلبت حياتنا رأسا على عقب, ووجدتنى ووالدتى بلا سند ولا معين. صحيح أننا لا نعانى مشكلة مادية, لكننا افتقدنا الدفء الأسرى والحنان الأبوي, وقد دعوت الله أن يزيل عنا الهم والحزن, ورحت أبتهل إليه أن يعوضنا عنه خيرا.

 

ومرت الأيام, ولاحظت أن أحد زملائى يحاول الحديث معي, وعرفنى بنفسه بأنه زميل لى بالفرقة الرابعة, وأنه يرغب فى أن يتقدم لخطبتى راجيا أن أعطيه فرصة للتعارف, ومضى قائلا إنه الابن الوحيد لأبويه, وهما يريدان أن يفرحا به. سمعت كلماته باهتمام, وأحسست أن شيئا ما يشدنى إليه, ورددت عليه بأننى سأناقش طلبه مع أسرتى، ورويت لوالدتى ما دار بيننا, فاستشارت خالى فى الأمر, وحددت موعدا للقاء أسرته.. وقرأنا الفاتحة, ثم تسارعت خطواتنا حتى انتقلت إلى عش الزوجية, ولم يخب إحساسي, إذ وجدته إنسانا عطوفا وحنونا, وأنجبت منه بنتين تفرغت لتربيتهما, وزاد حماسه للعمل والنجاح, فأقام مشروعا تجاريا ناجحا بمساعدة أبيه, وأبحرت سفينة الحياة بنا هادئة.

 

وذات يوم شكا من بعض المتاعب الصحية, فأسرعت به إلى الطبيب, وقبل أن ندخل حجرة الكشف فارق الحياة, فانهرت تماما ولم أدر بنفسى إلا وأنا فى ‎المستشفي, وعادت الأحزان تسيطر علىّ من جديد, ووجدتنى أرملة تلاطم أمواج الحياة فى سن الشباب, لكنى رفضت كل من تقدموا للزواج مني, وكرست حياتى لابنتىّ, لكن إحساسا غامضا سيطر علىّ بأن شيئا ما سيحدث لنا, وظللت أدعو الله أن يزيل عنى هذه الهواجس، ‎وتفوقت ابنتاى فى كل مراحل الدراسة حتى المرحلة الجامعية, وتخرجت الكبرى قبل عامين فى كلية الهندسة, وعرفنا الابتسامة لأول مرة منذ رحيل زوجي, وبعدها بأسابيع طرق بابنا ابن الجيران وهو طبيب لم نسمع عن أسرته إلا كل خير, وأصدقك القول أننى ارتحت إليه, ولاحظت علامات الرضا على وجه ابنتي, وقرأنا الفاتحة. وبدأنا فى تجهيز عش الزوجية, ثم حدث ما كنت أخشاه, وما وصفته لك بالإحساس الغامض إذ سقطت ابنتى على الأرض مغشيا عليها فحملناها إلى المستشفى القريب من منزلنا, وظلت تحت الفحوص ثلاثة أيام كاملة, ثم كانت الصدمة التى أحالت ‎حياتنا إلى جحيم, حيث أثبتت الأشعة إصابتها بورم خبيث فى المخ, وأن حالتها خطيرة, وحمدت الله أنها لم تكن موجودة لحظة تسلمى التقرير, وحاولت أن أكتم أحزانى أمامها حتى لا تعرف حقيقة مرضها فتسوء حالتها النفسية. ولم أذق طعم النوم فى تلك الليلة, لكنى عقدت العزم على إبلاغ خطيبها لكى يقرر ما إذا كان ينوى استمرار خطبته لها أم أنه سيبحث لنفسه عن طريق آخر.

 

وفي الصباح جاءنا للاطمئنان عليها فانتحيت به جانبا وأطلعته على تقرير الطبيب فاغروقت عيناه بالدموع, وقال لى إنها نصيبه ولن يتخلى عنها مهما حدث, وأخذ الأشعة منى وعرضها على العديد من أساتذته الذين يعرفهم بحكم عمله, وراسل الكثير من المستشفيات الكبرى فى الخارج عسى أن يجد علاجا لحالتها, لكنهم أجمعوا على أنه من المستحيل إجراء هذه الجراحة لأن الورم تمكن من المخ تماما, وفوضنا أمرنا لله.

 

والمدهش حقا هو أن الابتسامة الرقيقة لم تفارق شفتى ابنتى حتى وهى تعانى أشد الآلام, لدرجة إننى تعجبت من قدرتها على التكيف مع مرضها الذى علمت به عندما بدأت أولى جلسات العلاج الكيماوى. وصار واضحا أن العلاج لا يجدى نفعا فأخذت تذبل شيئا فشيئا حتى حانت لحظة الوداع فوجدتها تمسك بيدى وتنظر إلى خطيبها وتوصيه بألا يتخلى عنى وعن أختها, ثم أغمضت عينيها إلى الأبد. وخيم الحزن على المنزل من جديد, وزادت عليه حسرتى على ابنتى العروس التى لم تفرح بشبابها, وشحب لون أختها. وانزوينا فى ركن الحجرة ونحن نبتهل إلى الله أن يخفف عنا ما نحن فيه.

 

ودق جرس الباب, فإذا بوالدة خطيب ابنتى الراحلة وقد جاءت إلينا للمبيت معنا. ومنذ تلك الليلة صارت أختا لى, ومرت شهور ثقيلة, ولم تفارق صورة الراحلة الغالية خيالى. أراها معى فى كل خطواتى وتحركاتي, ويقظتى ومنامى. وذات يوم زارتنا والدة خطيبها, وحدثتنى عن أن ابنها يريد خطبة ابنتى الأخري, والحقيقة أن الموقف كان صعبا ولم أتخيل نفسى فيه, لكنى لم أجد بدا من أن أعرض عليها الأمر, فإذا بها توافق وتقول إنه أفضل من غيره, وقرأنا الفاتحة وبدأنا فى شراء مستلزمات الزفاف.

 

ولم تمر أيام حتى تكرر السيناريو نفسه الذى حدث مع أختها, حيث شعرت ببعض التعب, فانقبض قلبى خوفا من أن تلقى المصير الذى انتهت إليه أختها, ودخلنا فى دوامة التحاليل ثم الفحوص ‎بالأشعة, وتبين أنها تعانى ضعفا شديدا فى عضلة القلب, وحذرنا الطبيب المعالج من زواجها, فأسقط فى يدى ماذا أفعل؟ هل أصارحها بهذه الحقيقة المؤلمة؟وماذا أقول لخطيبها الذى لم يفق بعد من صدمة أختها؟ فلو أخفيت مرضها فإننى بذلك أخدعه, وفى الوقت نفسه قد أجنى عليها بالمصير الذى ينتظرها، إننى أعيش صراعا داخليا يكاد يقتل ما تبقى لدى من أمل فى فلذة كبدى التى أسأل الله لها الشفاء والسعادة.. فبماذا تنصحني ؟

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

 

لم أجد عنوانا لرسالتك أصدق تعبيرا من زهرة البنفسج لما تتميز به من العاطفة الممزوجة بالحزن الشديد, فلقد جمعتك وابنتيك روح الحب والتعاون وإيثار الآخرين رغم الأسى الذى خيم على حياتكن منذ رحيل زوجك, ثم تضاعف بوفاة ابنتك الكبري, وكان الإيمان بالله دائما هو زادك فى التغلب على الآلام, ومواصلة مشوار الحياة, فعشت آمنة مطمئنة راضية بما قسمه لك المولى عز وجل, وانعكس هذا الهدوء الداخلى على ابنتيك, فظلت الكبرى تتمتع بنفس الوداعة والابتسامة, وكذلك ابنتك الصغرى التى شاء القدر أن تبتلى هى الأخرى باختبار المرض.

 

ولأننا لا نملك أقدارنا, فلا بديل أمامنا عن التسليم بقضاء الله عملا بالحكمة القائلة لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع, فالإنسان لا يعلم ما تخبئه له الأقدار, ولذلك ينبغى أن يكون أمره كله لله.

 

وليس معنى ذلك أن نستسلم للمصاعب والآلام, وإنما يجب أن نواجهها بشجاعة, فالحياة بدون تحديات حياة يجب ألا نحياها كما يقول سقراط.. والقدرة على هذه المواجهة صفة لا يتسم بها إلا الأقوياء, وأنت يا سيدتى قوية بالفعل وقادرة على التغلب على أحزانك والتصرف بحكمة فيما يتعلق بابنتك وخطيبها, وإبلاغه بالحقيقة كاملة من واقع التقارير الطبية التى يستطيع أن يعيد قراءتها بحكم عمله كطبيب, وسوف تجدين منه إصرارا على المضى فى زواجه منها حتى وإن لم تنجب خوفا على حياتها, فلقد لمست صدقه وسلامة نفسه فى تصرفاته, وتركه أمره لله. ومن كانت هذه شيمه فإن الله سوف يبعث الطمأنينة فى قلبه, وكلى يقين من أنه لن يتوقف عند مسألة مرضها, وعدم قدرتها على القيام بمجهود شاق, وربما يكشف الله عنها الضر وتصبح سليمة معافية تماما, مصداقا لقوله تعالي: «وإذا مرضت فهو يشفين».

 

وتحضرني واقعة عايشتها مع الدكتور على خليفة أستاذ طب الأورام الراحل, حيث زاره مريض بالسرطان, وكان فى حالة إعياء شديدة ففحصه, وأجرى له تحاليل دقيقة كشفت عن أن المرض تمكن منه, وأنه بالمقاييس العلمية المتعارف عليها لن يعيش أكثر من شهرين, ولم يكن ممكنا أن يواجهه بهذه الحقيقة المؤلمة, وقال له: أنت بخير، كل المطلوب منك أن تقضى وقتا ممتعا وسط الطبيعة وتستمتع بكل ما فيها, وأن تكون واثقا من أن الله سوف يشفيك, ووصف له بعض الأدوية لتخفيف آلامه, وخرج الرجل من عيادته على وعد بأن يزوره بعد شهرين لمتابعة الفحوص.

 

وتصور الطبيب أنها الزيارة الأخيرة, وأن المريض لن يعود إليه مرة أخرى, ولكن كانت المفاجأة أنه عاد إليه فى موعده, فاندهش كثيرا, وأخضعه لفحوص جديدة.. فوجد أن الخلايا السرطانية تتلاشى وتحل محلها خلايا سليمة, فقدرة الله لا تدانيها قدرة, وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.

 

هذا هو الإيمان يا سيدتي, فلا تحزني, وتأكدى من أن الله سوف يأخذ بيد ابنتك التى ستسعد بزواجها وتتبدل أحوالها, وقد يذهب عنها المرض وتصبح لديها ذرية صالحة, ومما لا شك فيه أنها بشخصيتها الوديعة قادرة على تجاوز محنتها, فكما يقول أبو قراط: من المهم أن تعرف شخصية المريض أكثر مما تعرف ما هو المرض الذى يعانيه, فالشخصية القوية التى تتمتع بالإرادة القوية مرشحة دائما لاجتياز الصعاب.

 

والحقيقة المؤكدة أن لكل داء دواء, حيث يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: سبحان الله ما أنزل من داء فى الأرض إلا جعل له شفاء, فالطب والدواء من قدر الله, ويختلف العلاج باختلاف الحالة, فهناك الأدوية الطبية, وهناك الدعاء والصلاة والرحلات وتبادل الزيارات مع الأصدقاء، إلى أخره. والإنسان لا يشعر بالسعادة إلا بعد معاناة الشقاء, ولا يلمس الراحة والطمأنينة إلا بعد التعب والمكابدة, ولا يعرف قيمة الصحة والعافية إلا بعد المرض والآلام.. وهكذا لا تعرف الأشياء إلا بأضدادها.

 

وأنت يا سيدتى وابنتك عانيتما الكثير, وسوف تنعمان بالجائزة التى أعدها الله للصابرين, فهو سبحانه وتعالى معهم, كما قال فى كتابه الكريم. وأسأله أن ينزل السكينة على قلبك وقلب زهرتك الجميلة وأن يكتب لها الشفاء.. والحمد لله رب العالمين.

لا تعليقات