لا أعلم من أين أبدأ حكايتى، ولا من أى جزء أقص ما حدث لى؟. ففى لحظة واحدة فقدت ابنتى التى لم يتجاوز عمرها خمس سنوات. وكدت أفقد الثانية لولا عناية الله وفضله، وصرت عاجزة لا أقوى على أن أرفع يدى أو أتحرك من موضعى، حتى ولو للجلوس على كرسى متحرك، فأنا سيدة فى سن الثامنة والعشرين، تزوجت من صديق لأخى ورزقنى الله منه بنتين «جنى وجودى» وهما زهرة عمرى وقرة عينى، وحلمت بهما كثيرا وهما فى ليلتى زفافهما، وذات يوم استعددت لحضور حفل خطبة أخى الأكبر فى إحدى قرى الصعيد، وألبست ابنتى لباس الخروج، وخرجنا للسفر فى طريقنا إلى الحفل وفجأة وقع ما لم يكن فى الحسبان، إذ انقلبت السيارة رأسا على عقب، ولم أشعر بشىء، وعندما أفقت وجدتنى ملقاة على سرير بالمستشفى، ولا أستطيع أن أتحرك يمينا أو يسارا، وسألت إخوتى: أين البنتان؟ فأجابونى بأنهما بخير، وأن جنى محتجزة بأحد المستشفيات بعد أن كسرت ساقها، ولن تتمكن من المجىء لزيارتى، وطال غيابها، فى حين جاءتنى أختها جودى، وعرفت أنها وقعت فى أثناء الحادث تحت مقعد السيارة، فكان ذلك ساترا لها من انقلاب السيارة عدة مرات. ومع تكرارى السؤال عن جنى، كثرت الحجج والمبررات، ومنها أنها فى حالة نفسية سيئة، ويجب ألا ترانى على هذه الحال حتى لا تزداد حالتها سوءا، ومرت أربعة شهور على هذه الحال، لكن فى داخلى إحساس بأنها فارقت الحياة، لكن إنكارهم المتواصل كان يعطينى بصيص أمل بأنها مازالت على قيد الحياة وأن اخفاءها عنى بناء على رغبة الطبيب المعالج، ومع إصرارى على رؤيتها برغم كل ما يدعونه من أسباب، أخبرونى بالحقيقة المؤلمة فقالوا لى: إنها ماتت، ولا أعلم متى ماتت ولا كيف، ولم أحضر دفنها وأتلقى العزاء فيها، ورجعت إلى نفسى واستغفرت الله، فله ما أعطى. وله ما أخذ. ثم تكشفت الحقيقة المفزعة الغائبة، وهى أن حالتى ميئوس من شفائها، لأننى مصابة بقطع فى النخاع الشوكى، وسأبقى طوال حياتى ملقاة على السرير، ولا أستطيع التقلب على جانبى، وهكذا أصبت بقرحة الفراش، وتآكل جسدى حتى بدت العظام منه، ولك أن تتخيل مدى الألم الذى أشعر به، حينما أريد كوبا من الماء ليلا، وأنتظر حتى الصباح، لكى يأتينى به أحد أفراد أسرتى، فيروى عطشى.. ومقدار الألم الذى تشعر به أم لا تستطيع أن تضم ابنتها الصغيرة التى لم يتعد عمرها أربع سنوات إلى صدرها.. إننى أسأل نفسى كثيرا أسئلة صعبة ترهقنى وتزيدنى حزنا على حزن، ومنها من سيتولى شئون زوجى وابنتى، فإذا كان هو معى اليوم، فسوف يمل غدا، وكذلك إخوتى إذا عطفوا علىّ اليوم، فسوف تشغلهم متاعب الحياة، ومطالب أبنائهم، كم تمنيت الموت لأستريح ويستريح من حولى. لكنى أعود فأستغفر الله، ووسط هذا الطوفان من اليأس والألم والإحباط بزغ لى ضوء أمل عندما علمت أنه يوجد فى الخارج مراكز لعلاج الحالات المماثلة لحالتى. وتصادفت معرفتى بهذا المركز عن طريق مريض كان يتلقى العلاج لدى طبيب أتردد عليه للفحص والعلاج، وقال لى إنه تمكن من المشى معتمدا على عصا، وقال لى إنه أصيب بقطع فى النخاع الشوكى خلال الأحداث التى صاحبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، فأرسلته الحكومة إلى هذا المركز لتلقى العلاج به على نفقة الدولة، فمصاريف العلاج باهظة، وتزيد على مليون ونصف المليون جنيه، فمن أين لى بهذا المبلغ، فهل أصبح مكتوبا على أمثالى أن يعيشوا حياتهم على سرير المرض مدى الحياة لأنهم لا يملكون ثمن العلاج؟.. وهل ترى لى أملا فى أن تستجيب الجهات المسئولة فى الدولة لعلاجى فى الخارج، فتحيى أملى المفقود؟.
- ولكاتبةهذهالرسالةأقول:
لا يأس مع الحياة ياسيدتى: فالله هو الذى يكشف الضر عن عباده، وستجدين علاجك الناجع حين يأذن سبحانه وتعالى، وإنى أستصرخ الدكتور عادل عدوى وزير الصحة أن ينظر إلى حالتك، والحالات المرضية الأخرى التى تنتظر قرارات العلاج على نفقة الدولة، وما أكثر المرضى الذين نشرت صرخاتهم عبر بريد الأهرام، لكننا لم نتلق ردا من وزارة الصحة، ووجهت إليه أسئلة عديدة عن «سياسة التجاهل» التى يتبعها فى التعامل مع الحالات المنشورة فى سابقة خطيرة لم تحدث من قبل، ولم يرد أيضا. ولم آخذ من مكتبه نفسه عناء متابعة أحوال المرضى. وبرغم كل ذلك فإن الأمل قائم بإذن الله فى أن تجدى العلاج المناسب، وأن تعودى إلى حياتك الطبيعية، وتسعدى بابنتك، أما ابنتك الراحلة فستكون لك ذخرا فى الآخرة، ولا يفوتنى أن أشد على يد زوجك الرجل الشهم، وأؤكد لك أن مثله لا يتخلى عن شريكة عمره، بل إن ما حدث لك سوف يزيده تمسكا بك، وسوف تتفتح لكم أبواب الأمل قريبا بإذن الله