أكتب أليك بعد أن ضاقت بى السبل، وأصبحت فى موقف صعب، لا أعرف كيف اتغلب عليه، فأنا أم لفتاتين الأولى بلغت الرابعة والأربعين، والثانية الخامسة والثلاثين، وربيتهما على الفضيلة والتقوى وخشية الله، وكنت أخاف عليهما من الاختلاط كثيرا بالناس، أو خوض تجارب عاطفية كما تفعل كثيرات من بنات اليوم. ولا أدرى إن كان ما فعلته صحيحا أم خطأ؟ فابنتاى شديدتا الخجل، وتجدان صعوبة بالغة فى التعامل مع البشر، وتفتقدان الى الجرأة والقوة برغم أن الأولى تعمل مفتشة بوزارة الصحة والثانية كانت معلمة لغة انجليزية وقد خفت عليها من بعد المسافة بين البيت ومكان عملها نظرا لانها مريضة بالسكر من النوع الأول فطلبت منها أن تتركه. اننى ادفع الآن ضريبة تربيتى المتشددة، فالتقييد الذى مارسته معهما أضاع عليهما فرص الزواج، ومن تقدم اليهما من الاقارب والأهل لم يعجبه خجلهما الزائد عن الحد، وأنى أسألك: هل الاخلاق والفضيلة والخجل صارت عيوبا فى البنات بدلا من أن تكون مزايا لهن؟ إن كل ما أردته هو مصلحتهما كأى أم فى الدنيا.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
هناك فرق بين الرقابة الصارمة وإبداء النصيحة، فعندما تصدر الأم أو الأب فرمانات على الأبناء خصوصا البنات، فإنهن يصبحن أمام أحد طريقين، إما الامتثال لما يريده آباؤهن وأمهاتهن، فينطوين على أنفسهن ويتجنبن الحديث مع أى شاب ولو من باب التعارف حتى داخل أسوار الجامعة أو مواقع العمل، وإما أن يتحايلن على هذه الفرمانات بلقاء من يرغبن بعيدا عن أعينهم، وفى كلتا الحالتين لا يتحقق الغرض المنشود، ففى الحالة الأولى تقل فرص التعارف بمرور الوقت ومع تقدم السن تنعدم فرص الزواج من شباب فى مثل أعمارهن ولم يسبق لهم الارتباط، وفى الحالة الثانية تكون العواقب وخيمة فى ظل اللعب بالعواطف، وانعدام الخبرة فى التعامل مع الجنس الآخر، ولذلك فإن اسلوب الرقابة الصارمة والفرمانات لا يصلح أبدا لتربية سوية، وإنما يجب على الأمهات أن يصادقن بناتهن حتى يفضين اليهن بأسرارهن، وبالتالى يلتمسن منهن النصيحة، ويكون الاحتكاك بالشباب دائما فى الحدود المسموح بها، فإذا رغب الشاب فى الارتباط بمن يرى فيها فتاة أحلامه، فإنها ترشده الى التقدم اليها طالبا يدها، ووقتها سوف تتاح له فرصة التعارف عن قرب عليها وعلى أهلها. ولعل ابنتيك قد استوعبتا هذا الدرس فتتخليان عن بعض خجلهما الزائد عن الحد وتتعاملان بواقعية مع الحياة، وسوف يطرق بابهما من يقدرهما ويدرك أنه بارتباطه باحداهما انما سيحصل على هدية نادرة فى هذا الزمن، فأبشرى ياسيدتى بفرج الله القريب.