" أنتِ مني و لي ..، "
من قال هذه الجملة ؟؟ لقد سمعتها بوضوح في ذهنها كأنما هي فكره تنتقل من عقل إلى آخر..
إنها تشعر بحرارة نار بعيدة .. تشعر بأنها مقدمة على أمر كبير وخطير وأن الأمور لن تعود أبداً بالنسبة لها إلى ما كانت عليه ..،،
تشبثت بأمها في إصرار لتبيت معها في غرفتها هذه الليله .. فأطاعتها الأم وهي تبتسم كأنما تقول لنفسها " دلع بنات ..! " ..،
لا شيء قادر على احتواء المخاوف وقتلها إلا دفء الشمس أو حضن الأم ..، صحيح أن والدتها بدينة و تحتل مساحة كبيرة من الفراش تاركة لها شريط ضيق محدود بالكاد يسعها .. لكن لا بأس .. إنها فقط تحتاج إلى أنفاسها بالقرب منها ..
كلما أفاقت من نومها استشعرت دفء جسد الأم خلفها وهي تحتضنها بإصرار كأنما تخشى انزلاقها في عالم الأحلام بلا رجعة ..فتبتسم وتعود للنوم من جديد ..
مرت الليلة هادئة . . الحقيقة أنها لم تحظى قط بنوم عميق كهذه الليلة .. فقط لولا تلك الآلام التي تنشر عظامها كما لو كانت تقوم بمجهود عضلي عنيف أثناء نومها
حمام دافيء قبل النزول إلى المدرسة ربما يزيل عنها إرهاق ليلة أمس ومتاعبها ..
ما هذه الكدمات ؟؟
تحسست جسدها في عدة مواضع .. ثمة كدمات زرقاء في ذراعيها وأعلى الفخذين وحول بطنها
لم تكن موجودة من قبل هذه الكدمات .. تذكر كذلك أنها لم تتعرض لأي حادث قريب كما إنها لا تشعر بألم فيها مجرد بقع زرقاء !
يجب أن تستشير الطبيب لو استمرت هذه الحاله أكثر من يومين .. ان قرائاتها البسيطة تخبرها بأن بعض هذه الكدمات دالة على أمراض بالدم ..
خرجت من الحمام وقد استعادت نشاطها ... ثم جلست على مائدة الإفطار تلتهم الطعام في جشع .. لم تأكل شيئاً منذ فطور الأمس .. وتشعر كما لو أنها جائعة منذ سنيين ..
( عشر سنيين )
من جديد تسمع جملة في أعماق عقلها الباطن فتتوقف قليلا عن المضغ .. هناك من يقرأ أفكارها .. و.. يرد عليها !!
- ميته مالجوع طبعاً .. مكلتيش حاجة امبارح وجيتي نمتي على طول
- معلش كنت تعبانه جدا .. تلاقيكي معرفتيش تنامي يا ماما امبارح سريري صغير :)
-الأم ضاحكة : لا أبدا انا فضلت جنبك لحد ما نمتي وبعدين سيبتك وقمت ..!
.. (سيبتك وقمت ) ؟؟
إذاً من الذي كان يطوقها بذراعيه طوال الليل ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
- عادي جداً بتحصلنا كلنا ..!
قالتها شيرين وهي تكوم كيس البطاطس المقلية وتلقيه في الطريق ثم تلعق شفتيها بتلذذ ..
- مش عارفه انتي مكبره الموضوع ليه ؟؟ بتحصل والله خصوصا للي زينا عايشين في فراغ عاطفي ..
فراغ عاطفي ؟! من قال انها تعيش في فراغ عاطفي ؟ .. صحيح أن "إيهاب" تأخر كثيراً هذه المرة في الإتصال بها لكنها تعودت على ذلك الضباط لايملكون أوقات فراغ كغيرهم ..ثم هي حتماً لا تعاني مما تقصده صديقتها
- انتي مش فاهمه حاجه خالص .. اقولك قفلي ع السيرة كلها عشان مش عايزه افتكر ..
في المدرسة كان الأستاذ جمال يعد لهم مفاجأة .. إمتحان شفوي مفاجيء ..!
كم تمقت هذا النوع من المفاجآت خاصة لو لم تكن مستعدة لها .. يمر ببطء بين صفوف الطالبات يحملق في الوجوه بنظارته الغليظة وشاربه الكث .. بينما زاغت أبصار الطالبات وبلغت قلوبهن الحناجر وكل واحدة تتمنى أن يقع بلاء الإختيار على صديقتها لا عليها !
كف يد يقع أمامها فجأه فتصرخ هلعاً . ثم تتبين انه كف الأستاذ يطالبها بأن تقف للسؤال ..
تقف على ساقين من المكرونة المسلوقة وقد أدركت أنها نست كل شيء تعلمته منذ المرحلة الإبتدائية ..
- أخبرينا ما هي أهم انجازات عصر محمد علي في مصر ؟؟
وقفت اسراء كمومياء "حتب حرس " لا ترى لا تسمع لا تتكلم كأنها أول مرة تسمع باسم محمد علي .. الجم الهلع لسانها فراحت تحرك شفتيها في صمت كالأسماك ..،،
- جميل .. افتحي ايدك افكرك عشان متنسيش مرة ثانية .. ،،
وراح يعدد انجازات المذكور كل انجاز بضربة من عصاه الغليظه على يديها .. والحقيقة أن محمد علي أفضاله كثيرة على مصر !
جلست مكانها وهي تبكي ثم رمقت الأستاذ بنظرة كراهية عميقة .. خيل إليها أنها تراه بلا ساقين ولا ذراعين !!..،
انتهت الحصة الرهيبة فجمع الأستاذ أدواته وفارق الفصل .. تنفست الطالبات الصعداء أخيراً .. ثم سرعان ما سمعوا صرخة رهيبة تجمع الجميع على اثرها خارج الفصل ..
يبدو أن الأستاذ الهمام لم ينتبه الى المساحة المهدمة في سور السلم فسقط من حالق !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
- بيقولو أستاذ جمال في المستشفى والجبس يغطي جسمه .. اللهم لا شماته ياريته يبقى هناك الى نهاية العام الدراسي !
لم يبدو أن إسراء قد سمعت الجملة وهي تسير بجوارها شاردة الذهن مشتتة الأفكار ..
- بس ربنا خدلك حقك هو بصراحة ياما افترى عالبنات كأنه بينتقم ..
فجأة يدوي رنيين جوال اسراء فتستأذن صاحبتها .. ثم تسير مسافة بعيد عنها ..
- إيهاب .. اتأخرت المرة دي قوي ..
- صباح الخير يا قمري .. معلش اعذريني لسه نازل حالا وراجع تاني ياريت اشوفك انشالله نص ساعة بعد المدرسة .، هستناك في نفس المكان
- ماشي .. إيهاب .. انا محتجالك ..!
- في ايه .. مالك ؟؟
- هحكيلك لما اشوفك .. سلام دلوقت ،،
أغلقت الهاتف دامعة العينيين .. يجب أن تجد من يساعدها في ما اصابها ..
لكن ما هو الذي اصابها ؟؟
ليتها تعلم ..،!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
" شيرين معاها حق ..! "
قالها ايهاب ضاحكاً وهو يغمز بعينه غمزة ماكرة .. " أكيد ده عشان مفتقداني بقالك مدة .. هانت .. كلها شهور ونكون مع بعض قدام كل الناس "
تأملت وجهه المحبب .. إنه بالتأكيد محمل بأعباء العمل هل ترهقه بالمزيد عنها ..؟ لا تريد أن تكدر عليه صفو الدقائق القليلة التي يقضيها معها
قالت باسمة محاولة تغيير الموضوع : " المرة دي هتتأخر برضو ؟؟ "
تناول اناملها الرقيقة وطبع قبلة أشد رقة : هحاول يكون لا ..!
ثم استدرك في جدية مفتعلة : لو حسيتي بالموضوع ده تاني متخافيش .. لو مكنش ضعيف مكنش استناكي تنامي عشان ييجي !
هزت راسها وقبضت على أنامله كأنما تستمد منه القوة .. بينما هو ينطلق بالسيارة الى بيتها ..،،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
( لو مكنش ضعيف مكنش استناكي تنامي عشان ييجي )
فعلاً .. إيهاب معه حق .. النوم هو ثاني أكبر لحظات الإنسان ضعفاً بعد الموت .. يجب أن تحصن نفسها جيداً بالقرآن كما انها يجب ان تختزل ساعات نومها ليلاً قدر المستطاع ،،
ربما لو نامت الآن لأمكنها السهر ليلاً واستثمار هدوئه في الدراسة ،، ذلك حل لا بأس به
أغلقت على نفسها الباب وأخبرت أمها بأن توقظها قبل المغرب .. ثم استسلمت للنوم ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
"
إيهاب الحبيب .. يقف أسفل شجرة معطياً ظهره لها بينما هي تركض نحوه بتثاقل وتنادي عليه .. الخطوات بطيئة والمسافات لا تزال بعيدة وصوتها يختنق !!
يستدير اليها ببطء
ثم فجأة يستطيل عنقه كثيراً كالزرافة ويمد وجهه أمامها مباشرة
تدرك في هلع ان .. عينيه .. لا .. ليست عينيه
إنها عيني قطة "