هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • قبلة الحياة
  • انتبِه لنفسك 
  • العقاب في الاخرة فقط
  • حول الحضارة الغربية الدموية الداعمة لإسرائيل
  • رز بلبن و أجواء زمان
  • صباح الكهربا
  • لماذا ندرسُ مادة العلوم؟
  • يا من فؤادي يرتوي برضاه
  • بيسو
  • هذا اللعين
  • وسابقتني
  • صلاة السكون
  • رضا التمني
  • قارون
  • هكذا تقول الأسطورة
  • التواصل ال fake
  • العيل الزنان
  • مناجاة
  • السجان
  • خلف الجدار..
  1. الرئيسية
  2. مدونة رانيا ثروت
  3. نحن وحيدون... وحيدون جدا يا صديقي 

آخر موعد : 24 أكتوبر

إضغط هنا لمزيد من التفاصيل 😋

"من دفتر رانيا "

 
نحن وحيدون... وحيدون جدا يا صديقي 
نفتقر الرفقة ونحن وسطها ونبحث عن الدفء الساكن في طبق الملوخية بالأرز في بيت الجد فلا نجده... الطعام أصبح باردا وتلك البرودة ليست بروعة الآيس كريم السوفت الملون الذي كان يهديني إياه عم محمد الرجل العجوز ذو السنة الذهبية والإبتسامة الحنونة من فم خالي تقريبا من الأسنان،صاحب أول ماكينة أيس كريم سوفت ملون قابعة بجوار بئر مسعود ، والذي كنت أذهب إليه مع والدي في خروجاتنا الخاصة،زاعما أنني بشعري الذي كان بنيا فاتحا وعيوني العسلية خلفة أجانب وكان يمازحني بقوله "عيونك يا عروسة بها نقطة عسل كرليوني دايب زي ضحكتك السكر اللي بتطرح غمازات " . 
بحثت كثيرا عن البنبون بمذاق التفاح المكرمل من الخارج والذي تفيض عصارته التفاحية من الداخل الذي كان يمنحني إياه عم الحاج يوسف الرجل الذي لم يتعلم في مدارس ولكنه كان يعلم حقيقة، حفظ القرآن كله في الكتاب من قديم الزمن بتلات بيضات وحج سبع مرات بالجمال ،فعم الحاج يوسف كان قديما قدم الزمن نفسه ورغم الفجوة العمرية بيني وبينه والتي تقدر بحوالي سبعين عاما إلا إنه كان صديقا مقربا وطيبا ، كان يعيرني أعدادا من مجلة العربي التي كانت تكتظ فوق رفوف تقبع خلف البنك في دكانته الكبيرة والتي كان يفاخر بها وبأنه يملك أول أعدادها صدورا وحتى أحدث الأعداد وبأنه قرأ السيرة الهلالية وسيرة حمزة البهلوان ورباعيات ابن عروس و ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وغيرها وأنه حارب الإنجليز في القناة وتصدى مع المتطوعين للعدوان الثلاثي وكان وهو يحكي عن ما فعله وزملائه أجد في عينيه لمعة براقة وأشعر بقوة مائة رجل تدب في عروقه . 
وكان البنبون مكافأة لي كلما انتهيت من قراءة عدد من الأعداد أو كتاب من الكتب والذي كان يصر على أن يناقشني فيه ويعرف ماذا استفدت وما استغلق علي فهمه . 
أما عمو الرسام كما كنت أطلق عليه، والذي كان يرسم لوحات زيتية بديعة ويقوم أيضا بعمل البراويز للصور، فكان يشجعني على الرسم كنت أرسم وأجري لأريه رسمي فيصفق لي ضاحكا وهو يقول "براڤو رون إنت رسام شاطر وبكرة حتبقى أرتيست كبير " ثم يقوم بأخذ الرسومات وهو يقول "دي رسومات غالية أجمل بكتير من اللي بيرسمه آرتين عشان كده حاخده وأنت أرسم غيره وهاته برضو " عمو الرسام كان أرمانيا طيبا. 
وعمي ناروز أبو سامح وسمير الشاب الطيب الذي مات مبكرا كان صديقي الذي أحدثه وأحكي له الحواديت ويسمعني وكنت أغني له بصوتي فيقول لي لو أتدربت حتبقي سعاد محمد التانية، كان يحب سعاد محمد وأسمهان وغيرهن من زهور زمن ولى،مازلت أذكر محله والصور الملونة الجميلة التي كانت تضيء بلمعة غريبة وسألته مرة عن أصحاب تلك الصور، فجاوبني" دي صورة العدرا ودي صورة ماري جرجس وهو يقتل التنين، التنين ده الشيطان يا بنتي وأطماع الدنيا خدي بالك أوعي تغرك ومهما عطيتك أوعي تصدقيها ودوري على العلم والخير في أكمام الغلابة. "
كان حلم حياتي أن أكون غنية جدا لأشتري ثلاجة عم ناروز التي يتواجد بها دائما أيس كريم دولسي الأكواب المملوئة بالشيكولاتة والحليب المثلج الذي كنت أدمنه. 
وحزنت جدا عندما حضرت مرة ووجدت الثلاجة خاوية وتسآلت هل هي مريضة فلم تعد تنتج الأيس كريم؟ 
حتى جاء رجل ومن خلفه سيارة كبيرة تحمل كراتين ممتلئة بعلب الآيس كريم التي عبأ بها عم ناروز ثلاجته وهنا علمت أن الحلم لا وجود له على أرض الواقع. 
العسلية الدافئة مصنوعة من العسل الأسود الساخن المغلي وكانت السيدة سميرة تصنعها وتبيعها في أوراق سلوفانية شفافة . 
كانت بمثابة حلم ممتع يتحقق مع كل قضمة. 
السيدة سميرة أم لأطفال آيتام كانت مبدعة في عمل الكروشيه والتريكو والتفصيل وتجيد اللغة الفرنسية إلى حد ما ككثيرات من بنات هذا الزمن، السيدة سميرة لم تكمل تعليمها أيضا ومع ذلك كانت تقول لنا وهي تبيع لنا العسلية وخد الجميل "السعادة يا بنات لحظة وأنت بتاكلي العسلية مع كل قطمة مش بتبقي مبسوطة؟ شوفي بقى كام مرة بتبقي سعيدة؟ أنا ببيع السعادة يابنات "
 
اليوم الحال تغير وشارعنا بكليوباترا تغير ... 
بيت جدي لم يعد كذلك واختفى عم محمد راحلا إلى بلاد العجائب التي يأتي منها الأيس كريم الملون والذي كنت أحرص وأنا في مكة على شرائه بكثرة إكراما لعم محمد . 
وتوفى الحاج يوسف وانقسم دكانه الكبير لمحلين لم أستطع من يوم وفاته أن أقربهما . 
وهاجر عمو الرسام آرتين ولم أعد أعرف عنه شيئا وتحول محله لسوبر ماركت . 
أما عم ناروز فمرض ولازم الفراش ولازلت أطمئن عليه من ابنه سامح .
أما السيدة سميرة فقد أغلق دكانها الصغير وهدم مع البيت القديم الذي يأويه ليحل محله عمارة عملاقة حجبت الشمس عن الشارع حيث صار الظل سيدا. 
كل شيء تغير إلا أنا وكل الناس رحلوا إلا مني ومازلت أحن إليهم وأتمنى لهم السعادة أينما كانوا. 
 
رانيا ثروت
التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1815 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع