لوحة العشاء الأخير تفوق الموناليزا جمالا وإبداعا في رأيي، لاسيما أن كل مايميز الموناليزا هو الشعور بالفتور الذي تم التعبير عنه تشكيليا من خلالها لأول مرة وذاك هو سر فرادتها، وليست عيون الموناليزا التي تنظر إليك كلماتحركت في أي إتجاه كماهو شائع .
بدأ ليوناردو دافنشي رسم لوحة العشاء الأخير فى ميلانو على جدار غرفة الطعام بكنيسة سانتا ماريا عام 1498 م لكنه أكملها بعد 18 عاما والسبب أنه كان يجد معضلة فى إيجاد وجه يشبه يهوذا الخائن الذى شكّله فى مخيلته .
تكمن عظمة اللوحة فى أنها تمثل بضع لحظات فقط ، اللحظات التى أعلن فيها السيد المسيح أنه ستتم خيانته قبل شروق الشمس ، وأيضا تتميز بإنها أكثر لوحة تم فيها تجسيد التعبيرات والمشاعر و ردود الأفعال بشكل مماثل للحقيقة .
قام دافنشى بتقسيم الحواريين إلى 4 مجموعات كل مجموعة تتكون من 3 اشخاص و وضع المسيح فى المنتصف تماما حيث عندما تنظر إلى اللوحة تتوجه عيناك مباشرة إلى الشخصية الرئيسية فى اللوحة وهو السيد المسيح .
عمد دافنشي لجعل الإضاءة التي تحيط بالسيد المسيح إضاءة طبيعية آتية من النافذة الخلفية فيما يسمى بنور النهار كاسرا بذلك عادة رسم المحور الذهبي فوق رؤوس القديسين
وقسم اللوحة ضوئيا لقسم مظلم وقسم منير وجعل يهوذا في القسم المظلل من اللوحة ، كما أنه جعل الحواريين مصطفين إلى جوار السيد في قوس أصغر ثم أكبر على الجانبين للتتجه بؤرة النظر بالكلية للسيد المسيح مركز إشعاع الأقواس ولرمزية أن من هم بجواره يتضاءلون.
من الملفت فى اللوحة هو تجسيد يوحنا حيث أثيرت الكثير من الأسئلة حول شخصيته فى اللوحة والذى كان موقعه يمين السيد المسيح مباشرة ، حيث وصفته الرواية على إنه مريم المجدلية ؛ ولكن جنح معظم الفنانون المعاصرون إلى أنه يوحنا حيث جرت العادة بتصوير شبان إيطاليا فى ذلك الوقت بشكل يافع دون لحية وبملامح أنثوية .
ولنأتى إلى ثانى الأشخاص أهمية فى اللوحة بعد السيد المسيح ، إنه يهوذا الخائن
عمد دافنشى إلى وضع الكثير من الإشارات حوله ، فبداية رسم وجهه فى الظل عكس الآخرين تماما و رسم رأسه فى انخفاض عن مستوى بقية التلامذة مما يوضح انحطاط مكانته بارتكاب هذا الذنب ، كما أنه الوحيد الذي ينظر للسيد المسيح بينما الحواريين ينظرون لبعضهم البعض في ريبة بعد إعلان السيد المسيح أن هناك من سيقوم بخيانته منهم و لنلاحظ أنه الشخص الوحيد الذى مد يده اليسرى لتناول الخبز دونا عن البقية فى إشارة إلى الخيانة كما نمثلها ب " خيانة العيش والملح " .
لوحة العشاء الأخير عمل زخم بأسرار الجمال والتميز التشكيلي والتصميم الهندسي المبني على التوازن والسيمترية المذهلة إن جاز التعبير.
رانيا ثروت