السلام عليكم و رحمة الله
هل انت سلفي ؟
سؤال غريب ... اليس كذلك ... ؟!!
لو سألته لك - عزيزي القارئ - لذهبت بك الظنون ... و لاعتقدت علي الفور اني اسألك عن انتمائك لحزب النور ذي الاكثرية الثانيه في البرلمان المصري ... او عن حملة "لازم حازم" المؤيده لمرشح الرئاسة السابق "حازم ابو اسماعيل" .... او انك تصنف نفسك سلفيا .... مع معشر "السلفيين" .... بصفة عامة
منذ فتره .... قابلت رجلا كريما ... ينتمي الي الاخوان المسلمين .... تلك الجماعه التي انبثق عنها حزب سياسي مؤخرا .... سيطر علي الاكثرية في برلمان مصر 2012 ....
قال لي الرجل .... ان السلفيين ... متزمتون قليلا .... يفتقرون للمرونة .... لذا فالنقاش معهم صعب !!
قبلها .. كنت اتحدث مع شخص من المفترض انه "سلفي" ... فقال لي ان الاخوان : مفرطون بعض الشئ في بعض جوانب الدين .... اما نحن فحافظون علي صحيح الشريعة ... !!
بغض النظر - قارئئ العزيز - عن هذا "الاختلاف" و هل هو اختلاف شرعي او سياسي ؟... و لو كان شرعيا ... هل هو اختلاف "اجتهادي" ... ام "تكفيري" ... ؟
و بغض النظر عن موضوع سابق كتبته في هذا الصدد هنا تقريبا :
https://www.mabdelwahab.com/blog/pro
بغض النظر عن كل ما سبق ... كان النقاش صعبا للغايه مع كليهما ... "الاخواني و السلفي" .. علي السواء
ما ان تواجه احدهما بمنطق معين ... تجده لا يرغب اصلا في مجرد التفكير فيه ... و انما هناك فكرة ما صامدة في تلافيف دماغه لا يريد لها كسرا
فالمرونة مفقوده ... و القوالب الصماء تسيطر علي التفكير .... كلا في اتجاه مختلف ... و ان كان "الاخواني" - احقاقا للحق - مرنا نوعا ما
لو سألتني - انا كاتب هذه المقاله - نفس السؤال : هل انت سلفي ؟!!
سأقول لك : نعم ... انا سلفي !!
لكني لست من تلك النوعية المطروحه في السوق ... حاليا .. "الا ما رحم ربي "
فمعني السلفيه ... ان تكون مثالا يحتذي بالسلف الصالح ... جوهرا و فكرا ... و عملا و اخلاقا ....
و رأس من نهتدي به .... هو قدوتنا .. و تاج رؤوسنا .... رسول الله صلي الله عليه وسلم ....
اليس كذلك ؟ !! .... ام ان في ذلك شك ايضا !!؟!!
في هذا الشأن ... تذكرت مقتطفات من السيرة العطرة للنبي الاعظم ... لرسول الله ... محمدا صلي الله عليه و آله و سلم ...
فرأيت ان نتناولها هنا سريعا و سويا بالتذكر و التدبر ...
----------
في يوم من الايام .... ولي رسول الله صلي الله عليه وسلم .... اسامة بن الزيد .... الشاب الذي لم يبلغ الثامنة عشر او تجاوزها بقليل .... قائدا عاما لجيش المسلمين في احدي الفتوحات .... الموجهة للشام ... و كان الجيش وقتها .... يضم الكبار الكبار ... منهم عمر بن الخطاب .. !!
رسول الله صلي الله عليه وسلم ... توفي ... قبل خروج هذا الجيش ... فاراد بعض الصحابة ان يغيروا قائد الجيش الصغير !! ... لكن الخليفة الاول ابا بكر الصديق .. اصر علي تنفيذ امر رسول الله .... و خرج الجيش ... و شاب في الثامنة عشر من عمره أميرا ... و عمر بن الخطاب ... مأمورا !!
السؤال : هل ولي رسول الله هذه الولايه ... بناءا عن درجة الصحبة او المحبة او القربة او السن او درجة الورع و التقوي ؟
كل ما سبق .... لم يكن و لن يكون في صالح اسامة بن زيدلو كان هو المعيار في اختيار قائد الجيش ... اذا ما قورن بامام عظيم كعمر بن الخطاب .... لكن رؤية الرسول .. ولت الشخص الاكفأ لمهمة بعينها ... و قد نجح فيها !! ....
اعيد فأقول : ولي من هو اكفأ ....
--------------------
في يوم آخر من الايام .... كان الرسول صلي الله عليه وسلم ... يجلس مع صحابته في المسجد ... فدخل شاب و اخذ يتبول في باحة المسجد ... فهب الصحابة ليفتكوا به
لاحظوا .... هبوا ليفتكوا به ....
تخيل معي اخي القارئ ... انك في مسجد الآن .. و رأيت شابا يتبول علي حصيره ... امام المصلين ... قلي بالله عليك ... ما هو رد فعلك ؟ ...
رد فعلك .... سيتميز بتوقف للعقل ... و بتحرك للعضلات ... ثم تنتهي المسأله بمظهر لا يمت للانسانية او التحضر او اي مسمي آخر .. بصلة
ماذا فعل رسول الله .. ؟!!
قال لاصحابه ان يتركوا الرجل لينهي بولته !! .... ثم تم تطهير المكان ... ثم تحاور الرسول مع الشاب بهدوء تام ... و باق القصة تعرفونها
و من المفترض ان الدرس من هذه القصة ... ايضا معروف !
---
في يوم من الايام .... خرج الرسول من المدينة الي مكة ليؤدي منسكا في البيت الحرام ... و كانت مكه في قبضة قريش ... فغضبت حينها قريش و حشدت الجيوش ... و رفضت قدوم الرسول رفضا كبيرا .. فارسل رسول الله صلي الله عليه وسلم .... رسولا اليهم للتفاوض .... و جرت المفاوضات ... فكان من ضمن الشروط التي ارتضاها الطرفان (قريش و المسلمون).... ان لا يذهب رسول الله الي مكة هذا العام ,, و يذهب اليها في العام المقبل .... ثم كان الشرط الثاني - الاكثر اجحافا - و هو ان قريشا اشترطت علي رسول الله ... ان من يدخل في الاسلام من قريش و يذهب الي المدينة ... يقوم رسول الله برده الي قريش !!! ... اما اذا ارتد احد من المسلمين و اراد ان يعود الي قريش .. لا تعيده قريش الي الرسول .. !!
يا له من شرط مجحف .... فظيع بلغة عصرنا الحالي !!
تخيل معي اخي القارئ ... ان رئيسا لبلدك وقع معاهدة مع امريكا علي سبيل المثال ... كان من ضمن شروطها ... ان المسلم يمكن ان يرتد عن دينه و يذهب الي امريكا ... بينما اذا اراد امريكي ان يسلم و يعيش في بلدنا ... رددناه اليهم ليعاقبوه او يفتكوا به
فكر قليلا .. ثم قلي ... هل ستقبل ذلك ؟ ... ثم هل ستترك رئيسك في حاله ؟ .... هل ستسمح له بان يشرح لك ابعاد قراره هذا ؟.... كم مره ستتهمه بالكفر و العصيان ؟ .. كم مره ستهدر دمه ؟ ... كم مره ستطوع لتدمير منزله ؟ ... كم مره ستذهب الي "التحرير" لتخلعه ؟
صحابة رسول الله ... اعترضوا ايضا علي هذا الشرط ... لكنهم كانوا اكثر حكمة و ايمانا ... و مرونة ... عندما اخبرهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ان ذلك فيه خير .... فالتزموا جانب الرسول ... و لم يفقدوا عقولهم تحت شعار النعرات ... رغم انهم صحراوين من ارض النعرات !!
----------------
في يوم من الايام يا ساده ... وقع رسول الله صلي الله عليه وسلم معاهدة مع قريش .... و قد بدأت اول سطورها بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" ... و خُتمت بتوقيع يقول نصه " من محمد رسول الله ....
اعترضت قريش اعتراضا شديدا ... و اصروا علي ان لا تبدأ الوثيقه بعبارة بسم الله الرحمن الرحيم ... و انما تبدأ "ببسمك اللهم" .... ثم ان لا يوقعها رسول الله بصفته رسول الله ... و انما بصفته "محمدا بن عبد الله " ..... !!
الرسول الحكيم العظيم .... ذو الخلق المنير .... ذو الافق الواسع ... و النظرة الشامله ... ذو العقل المرن .... وافق علي ذلك بكل سرور ..... و امر ببدأ الوثيقه "ببسمك اللهم" و امر بشطب كلمة "محمد رسول الله " و استبدالها "بمحمد بن عبد الله "
يا الله .... ما اجمل هذه المرونة ....
ما اروع هذه البساطه ....
ما اسهلها !!
------------------
ما اعظمك يا حبيبي يا رسول الله ....
كم انت عظيم بحق .... و كم كانت حكمتك طابقة للآفاق ... و علمك طاغ فوق العقول ... و مرونتك و هدوءك و صبرك سلام علي سلام
حضرت في ذهني هذه الخواطر النبوية الشريفه ... فقارنتها بما في عقول "هؤلاء" المحيطين بنا الآن .... ممن يدعون انهم الي السلف الكريم اقرب
و ما هم منهم في شئ
الا ما رحم ربي
تحياتي