أفاقنى مقالين فى المصرى اليوم للدكتورة درية شرف الدين فى الأسبوعين الماضيين ، على الموقف الحالى فى مصر...
و قبل أن أُكمل حيثيات "فوقانى" ... أحب أن اقول أن ما أكتبه عن "مشاكل" أو جوانب سيئة فى بلدى الحبيب.... لا يعنى أنى أنقد أو أُبرز مساوى بلدى لتشاؤمى من الوضع أو أنها تعتبر نظرة سوداوية للمستقبل.... بل بالعكس انا أرى فيها الجميل و القبيح فى نفس الوقت .... و أكتب عن جمالها فى مواضيع كثيرة ، و عن كبواتها فى مواضيع أخرى .....
و أحزن جدا عندما أرى تعليقاتكم السلبية بعد كتابتى لأى موضوع يناقش مظهر سئ فى بلدى ، بأن الأوضاع كلها سيئة فى مصر وأن لا امل ، و لا يوجد شئ جميل .... بل بالعكس.... لدينا أشياء جميلة كثيرة جدااا ، و لدينا إنجازات كثيرة جداااا ، و لدينا شعب طيب جداااا .... ما هى الا "فوقة" للجميع حتى نقضى على السئ فى بلادنا.... و طرحى لمواضيع تخص السئ ما هى الا محاولة لهذا "الفوقان"
فأرجوكم كونوا إيجابيين ، و فاعلين...
نرجع الى د.درية شرف الدين التى كتبت فى موضوعين غاية فى الأهمية على مدار أسبوعين .... الجهل و الفقر...
24 مليون أمي فى مصر... 24 مليون لا يعرفون أصلا القراءة والكتابة . كان هذا تصريح للدكتور رأفت رضوان، رئيس الجهاز التنفيذى للهيئة العامة لمحـو الأمية وتعليـم الكبـار، بأن نسبة الأمية فى مصر وصلت إلى حوالى ٢٦% من إجمالى عدد السكان مما يعنى أن النسبة تزيد و ليست تقل ... هذا بجانب الأمية أو الجهل لتلاميذ المدارس الحكومية....
فى يوم ما قرأت هذا المقال و أثناء تواجدى فى الشارع صباحا، جاء أحد الأطفال يبيع لى مناديل ، و كنت فى قمة حالة الفوقان :) فسألته:
- انت فى سنة كام؟
- قالى: فى خمسة إبتدائى
- و ماما فين؟
- بتبيع مناديل فى الشارع اللى جنبنا.
- و أنت بتعرف تقرأ و تكتب ؟
بإبتسامة خفيفة قالى :
- لأ
- (ذُهلت من الرد السريع و اللى كنت متوقعاه ) طب ماما بتعرف تقرأ و تكتب؟
- أيوة.
- طب مش عايز تبقى زى ماما؟
سكت الولد !!
سألته تانى:
- طب النهردة السبت ... و انت مش فى المدرسة ...أنت مش بتروح المدرسة كل يوم ؟
- لأ......ساعات كل ما أبقى فاضى ، كل كام يوم...
هنا أنا سكت ... و كلمت نفسى قدام الولد ... مما جعله ينظرلى بإستغراب و يمشى ، حتى لم يبيع لى المناديل....
طبعا الموقف لا يحتاج تعليق ، لهذا السبب تعداد الأميين يزيد و لا يقل...
هذا الأسبوع يوجد مقال ل"محمد عبد المنعم الصاوى" أبن مؤسس ساقية الصاوى ، فى مقاله الأسبوعى "أين الحكمة"
http://www.tamecom1.com/vb/t4789.html#post22406
يتكلم فيه عن مشكلة التعليم فى مصر... و الحكمة فى معالجتها ... أفرحنى أنه يوجد من يفكر فى الحلول... و هو أو أباه قد بدأ فعلا من زمن بحلول (فردية) كإنشاء "ساقية الصاوى" كملتقى ثقافى تعليمى للجميع ، و بدون مبالغ طائلة.... و نجحت جدا فكرته.... و يستفيد منها كثيرين...
إذا كجزء من منهجيتى فى التفكير ( العمل على المستوى الشخصى) فإن الأمر ناجح
بالرغم من أن الحل الفعلى للمشكلة ككل لابد أن يكون بإستراتيجية و خطة عمل قومية فى البلد .... الا أنى أرى أن من لديه إمكانية توعية من حوله من أميين بضرورة التعليم ، بضرورة تعليم أبنائهم، لابد أن يستغلها ، و أن يحاول إن أمكن فى تثقيف الناس... محو أميتهم و لو بطرح تساؤلات و تشجيعهم على التفكير فى التعلم ....
اما المقال الذى تلى مقال "الأمية" للدكتورة درية شرف الدين فكان بعنوان الفقر المدقع و تقول أن إحصاء رسمى أخر من جهاز التعبئة العامة والإحصاء يعلن أن ٢١.٥ فى المئة من المصريين يقعون تحت خط الفقر خلال عامى ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ مقابل ١٩.٤ فى المائة طبقاً للبحث السابق عن عامى ٢٠٠٤ و 2005
أى أن النسبة أيضا تزداد ....
أكثر من خُمس الشعب المصرى يعيش تحت خط الفقر، و خط الفقر عالميا 2 دولار فى اليوم و فى مصر هو ٢٠٥ جنيهات شهرياً - ٢٠٥ جنيهات شهرياً يعنى ستة جنيهات ونصف تقريباً فى اليوم يأكل بها الإنسان ويشرب ويلبس ويسكن ويركب مواصلات ويعالج...
أظن أن الجهل هو اللى بيجيب الفقر...
بعد هذين النسبتين 26% أميين و 21.5 % تحت خط الفقر ( تحت خط الفقر نفسة ، يعنى حتى ما يعتبروش فقراء)
و بعد مقابلة "أحمد" بائع المناديل اللى فى خمسة أبتدائى...
و بعد الحلول و الإيجابية التى طرحها الأستاذ/محمد عبد المنعم الصاوى...
أرانى فى حالة فوقان ... أرجو أن يفوقها كل الناس .... كل الناس...
ليس فقط على الواقع و لكن على الحلول أيضا...
أشكركم:)
مقالات د.درية شرف الدين :
توطّن مرض الأمية بقلم د. درية شرف الدين ١٧/ ١١/ ٢٠٠٩
أربعة وعشرون مليوناً منا أميون، لا يعرفون القراءة والكتابة حتى فى حدودهما الدنيا. تصريح للدكتور رأفت رضوان، رئيس الجهاز التنفيذى للهيئة العامة لمحـو الأمية وتعليـم الكبـار، لفـت نظرى منطوق التصريح الذى بدلاً من أن يقول- كالمنتظر- انخفضت لدينا نسبة الأمية خلال السنوات الأخيرة ووصلت إلى... كذا،
قال بصدق وصراحة وصلت نسبة الأمية فى مصر إلى حوالى ٢٦% من إجمالى عدد السكان مما يعنى أن النسبة بدلاً من أن تقل وتنحصر وتتراجع كما فى بلاد الدنيا تعلو عندنا وتزيد وتصل إلى ما يقرب من ثلث تعدادنا، أمية كاملة منها عدد ثمانية ملايين نسمة يعرفون فقط كتابة أسمائهم وهى أمية أيضاً ولا تعنى أى معرفة، تعنى فقط بديلاً للبصم بالأصابع، أكثر من ستين أو سبعين سنة نجرى وراء وهم محاربة الأمية والقضاء عليها ونفشل.
وحتى نضع ذلك الإحصاء فى مكانه الصحيح ونستدل على الأرقام الحقيقية لنسبة الأمية فى مصر علينا أن نضيف إليها ونحن مرتاحو البال والضمير أمية تلاميذ المدارس الحكومية والتى يجلس فى فصولها من ثمانين إلى مئة وعشرين تلميذاً فى بعض المناطق فلا يتعلمون شيئاً على الإطلاق ولا حتى القراءة والكتابة،
ينتقلون فقط من سنة إلى أخرى بقوة الدفع وكذب بيانات وزارة التربية والتعليم وإتاوات مدرسى المجموعات والدروس الخصوصية ثم يصلون إلى الشهادة الابتدائية وبعدها الإعدادية وهم أميون أمية شبه كاملة غير منقوصة، أمية قراءة وكتابة وأمية وعى بالتاريخ أوالحساب أو الجغرافيا أو العلوم أو غيرها، فى أدراجنا الدراسات والبيانات والإحصاءات والتحليلات عن الأمية وأسبابها ودوافعها وأساليب مواجهتها دون أن نستخدمها أو نستعملها،
وعندما تطرأ المشكلة من جديد لسبب من الأسباب لا نبحث فى الأدراج القديمة ولا الدراسات والاقتراحات المستكملة بل يحلو لنا دائماً فى مشكلة الأمية وفى غيرها أن نبدأ كل مرة من جديد من نقطة الصفر ومن أول السلم، المعرفة عندنا بالمشكلة وأساليب مواجهتها لا تتجمع أو تتراكم بل تتعثر وتختفى وكأنها لم تكن ثم نبدأ من جديد، بادئين بتعريف ما الأمية؟ ومن الشخص الأمى؟ وكم نسبتها؟!..
نعلم كل ذلك لكنه إهدار الوقت والجهد الذى أدمناه؟ وتبقى النسبة كما هى بل تتزايد بفعل انتشار الجهل بقيمة العلـم وخلـل وتخلف منظومة التعليم وإهمال أى دراسات سابقة ربما وضعها أعداء لنا أو مسؤولون تركوا مناصبهم ولا داعى لمجاملتهم أو الاعتراف بفضلهم.
أليس عيباً وفضيحة أن تكون نسبة الأمية فى مصر بهذة الضخامة؟ أربعة وعشرون مليوناً لا يقرأون ولا يكتبون بل يتزايدون ونتشدق نحن بأننا قلب الأمة ومركز الثقل فى المنطقة ونحن الثقافة والتعليم والفن والإبداع أو هكذا كنا.. ما يقرب من ثلث عددنا أميون ونأمل فى المستقبل، أى مستقبل بينما يسود الجهل؟ جهل القراءة والكتابة وجهل التعليم الحقيقى وليس المظهرى أو الإحصائى ومعه الفقر ومعه المرض، سياسات تعليمية متعاقبة ووجهات نظر وزير ثم وزير آخر ومجالس عليا للتخطيط ولجان من لجان من لجان ولاشىء يتغير.
ما الصلة بين هذه الأرقام المرتفعة للأمية وشبه الأمية وبين انتشار الأفكار المتطرفـة والمنغلقة والمتشددة فى مجتمعنا الآن؟ بينها وبين البعد عن إعمال العقل أو استفتاء القلب والانصياع الكامـل لـكل مـا تـردده فضائيـات المذاهـب والملل والمصالح بينها وبين انفجار عدد السكان من سنة لأخرى بمتوالية جهنمية تلتهم أى أمل فى تحسن الظروف والأحوال، بينها وبين تقلص فرص العمل والإنتاج المبنى على المعرفة والعلم ثم الاندفاع للخارج شمالاً وشرقاً فى مهن لا تليق وبأجور تقترب من حد الكفاف تتساوى مع مستوى التعليم والتأهيل المتدنى، بينها وبين توطن مرض وباء أنفلونزا الطيور وتكدس تلال القمامة وانفلات أخلاق الشارع المصرى؟
بين هذه النسبة وبين الانصياع لتدهور الأحوال وسرقة الأراضى ونهب الثروات وتزييف الانتخابات والرضا بمقومات الحياة فى حدها الأدنى، إن لم تكن الأمية هى كل السبب فهى على الأقل ثلثه كنسبتها عندنا أو قل هى الأرض الممهدة والبيئة الملائمة والسهلة لتوطن وتوحش كل هذه المظاهر وغيرها فى مصر.
الفقرالمدقع والمقنع
بقلم د. درية شرف الدين ١٥/ ١٢/ ٢٠٠٩
إحصاء رسمى أخير يصيب المرء بالإحراج والإحباط على الرغم من أن ما كشفه ليس بجديد بل يظهره الواقع أمامنا كل يوم متمثلاً فى وجوه الناس العابسة المتجهمة وأجسادهم الضعيفة وملامحهم المنكسرة وعقولهم التائهة فى البحث عن لقمة العيش التى لا تأتى بسهولة أو حتى بصعوبة وإن جاءت فى حدها الأدنى الذى يسمح فقط بالستر، يقول الإحصاء إن أكثر من خمس سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، وما خط الفقر؟
هو ٢٠٥ جنيهات شهرياً وذلك حسب تحديد الجهات المسؤولة فى مصر التى قررت أن الفرد الذى ينفق أقل من هذا المبلغ فى نظرهم يقع تحت خط الفقر، ٢٠٥ جنيهات شهرياً يعنى ستة جنيهات ونصف تقريباً فى اليوم يأكل بها الإنسان ويشرب ويلبس ويسكن ويركب مواصلات ويعالج، فإذا كان رب أسرة فلنضف أولاده الذين يذهبون إلى المدرسة ويأكلون ويشربون ويلبسون ويعالجون أيضاً كل ذلك بستة جنيهات ونصف. ترى بماذا يشعر هذا المواطن؟ وكيف يواصل حياته كل يوم وبماذا يشعر تجاه هذا المجتمع الذى يظلمه ويحرمه ويضيق عليه هو وذويه؟
٢١.٥ فى المئة من المصريين هكذا يقول اللواء أبوبكر الجندى رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء يقعون تحت خط الفقر خلال عامى ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ مقابل ١٩.٤ فى المائة طبقاً للبحث السابق عن عامى ٢٠٠٤ و٢٠٠٤، ويضيف أن ارتفاع نسبة الفقر فى مصر عن عام ٢٠٠٥ يعود إلى انخفاض التشغيل وبالتالى انخفاض نسبة الدخـل فـى العديـد مـن الأسـر، ويستطـرد: إنـه كـان مـن المفـروض أن تقل هذه النسبة– أى نسبة الفقراء المصريين– بعد النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى خلال السنوات الماضية ولكن السبب هو الأزمة المالية العالمية.
وصحيح أن اللواء أبوبكر الجندى ليس مسؤولاً اقتصادياً أو مالياً لكن مسألة النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى خلال السنوات الماضية التى يتحدث عنها كل مسؤول حكومى حتى كدنا نعتقد أننا أفضل اقتصادياً من اليابان وأمريكا وماليزيا وحتى دُبى، وأن مصر فوق الجميع اقتصادياً، وأن مؤسسات العالم تلهث وراءنا كى تمنحنا شهادات الامتياز والتفوق وتنشد أن تتعلم من خبراتنا المتميزة فى مجال التنمية الاقتصادية والبشرية والتعليمية.. وغيرها، أصبحت كلمات هلامية وتصطدم بالواقع الحقيقى الذى أفرز هذا الإحصاء السابق والذى يقول إن خمس الشعب المصرى تحت خط الفقر أى يعيش فى فقر مدقع.
ثم نأتى إلى الخمس الثانى والثالث من مجموع الشعب المصرى الذين يعيشون فوق هذا الخط بقليل أو حتى بكثير، بعشرة أضعاف على سبيل المثال، أى ينفقون ٢٠٠٠ جنيه فى الشهر وبالقياس إلى أسعار السلع والخدمات المتاحة الآن فإن صاحب دخل الألفى جنيه شهرياً الذى قد يكون فى مقام مدير عام فى الحكومة أو وكيل وزارة وعمره قد اقترب أو تجاوز الخمسين هو أيضاً يعيش فى فقر مدقع أو فلنقل فى فقر مقنع كالبطالة المقنعة صاحبها يبدو أنه يعمل لكنه لا يعمل ولا ينتج ولا يضيف،
تماماً كصاحب الفقر المقنع صاحبها يبدو أنه يقبض آخر الشهر مبلغاً محترماً لكنه فقط ٦٦ جنيها فى اليوم– ومن تانى– يأكل ويلبس ويعالج ويتنقل ويسكن ومعه أهله الذين يطالبونه بأن يتساوى مركزه الأدبى مع المادى وهو لا يستطيع، العين بصيرة واليد قصيرة جداً خاصة إذا ماكانت أمينة لاتمتد إلى مال حرام ولا تعرف الزيس أو الحلاوة.
فقر مدقع وفقر مقنّع، كله فقر، لا يتفق وجوده المخزى مع مجتمع رفع شعار القضاء على الفقر والجهل والمرض منذ ما يقرب من ستين سنة ومازال يتخبط بينها حتى اليوم كثلاثى متلازم كل منها يؤدى إلى الآخر،
يتلازم الفقر مع الجهل والجهل مع المرض والمرض مع الفقر وهكذا دواليك، وأى تفكير فى مستقبل لهذا البلد يبعد عن اختراق هذه الدائرة الجهنمية التى تسحق الناس يومياً وتبدد أملهم وأمل أولادهم فى المستقبل لن يكون له عائد أو نتيجة مهما تكاثرت التصريحات الوردية ومهما تزينت الإحصاءات الحكومية ومهما قلنا مصر فوق الجميع، مصر فوق الجميع بالغنى وليس بالفقر، بالعلم وليس بالجهل، بالصحة والقوة وليس بالمرض.