اليوم احكي لكم حكايتان وليست حكاية واحدة حكايتان متشابهتان ومختلفتان في الوقت ذاته
متشابهتان في موضوعهما ومختلفتان في توقيتهما وطريقة تصرفي فيهما (متخلص يا أحمد واختصر بقى!!)
الحكاية الأولى كانت منذ عدة سنوات حين اضطرتني الظروف للسفر المفاجئ لقاهرة المعز ولكن هذه المرة من أسوان للقاهرة رأسا وكانت هي المرة الأولى التي أسافر فيها من أسوان للقاهرة مباشرتا بل والأخيرة حتى هذا الحين
ولقد كان هذا السفر مفاجئا أيضا فلم أتمكن من حجز تذكرة مسبقا
كنت أمام محطة القطار بأسوان في السادسة إلا الربع مساءا كنا في أغسطس (حسبما اذكر) وكان اقرب موعد قطار متاح السادسة اى بعده بربع ساعة
كانت مسألة عثوري على تذكرة من شباك التذاكر شبه مستحيلة إلا أنه كان لزاما على أن أحاول ذهبت لموظف الشباك الشبه خالي من حسن الحظ لأسال عن تذكره في القطار المستعد للتحرك بعد دقائق ليخبرني الرجل بأني مخطئ في اعتقادي فالأمر ليس شبه مستحيل كما أظن بل من رابع المستحيلات أيضا
ظللت أمام الشباك لا أتحرك (على مقربه منه) ولا اعرف حقا ماذا كنت انتظر ربما هي قله حيله وربما وعلى الأرجح أنى كنت انتظر ابن الحلال
الذي تذكر فجأة انه لم يعد يحتاج تذكرته فعاد ليبيعها لمن يحتاجها مثلى ولكنه لم يأتي أو ربما يكون قد أتى مبكرا عنى
لم يتبق إلا دقائق قليلا وسيتحرك القطار الذي كان على الرصيف الأقرب لشباك التذاكر من حسن الحظ وقد اتخذت قرار بأني سأستقله ( أين كان)
حتى لو ظللت واقفا طوال الطريق و(أين كانت) الغرامة التي سأدفعها؟ كان الأمر هام وعااااجل جدا
وما إن هممت بالتحرك حتى فوجئت بموظف الشباك يناديني ليخبرني بأن لديه تذكره لي!!.
نعم نفس الرجل الذي اخبرني منذ قليل بأنه مستحيل أن يكون هناك تذكره.. الآن تذكر فجأة أن لديه واحده لي
يسمونها(....) حقيقية لا اذكر الاسم ولكنها تذاكر عاديه ( أعنى ثانيه مكيفه) وليست تذاكر مميزة سواء فالسعر أو المكان أو الشكل
ويبدو أن الاسم متعلق بكونها للطوارئ أو الأوقات الحرجة
ويبدو أنهم يحتفظون بها لذوى الأهمية من البشر والذين لا يصح أن يقال لهم (مفيش تذاكر ) ووقتما حلو !!
ولقد شاء الله أن أكون مهما في هذه اللحظة وأحظى بتذكرة من هؤلاء كنت أحوج منهم إليها.
نعم فلم تكن تذكرة واحده بل تذاكر مخبأة للضرورة فلقد كان هناك رجل آخر حضر بعدى ربما بدقيقة واحده كان يريد تذاكر له وللعائلة ثلاثة أو أربعه أعطاهم له الرجل الذي يبدو انه يأس من حضور (حد مهم) فثارت نزعته الوطنية واستخسر أن تضيع هذه التذاكر على الدولة فأعطاهم لنا (مشكور على أيه حال)
ذهبت رحلتي وأنجزت مهمتي التي استغرقت يومين وها قد حانت رحلة العودة ورحلة المعاناة في العثور على تذكرة من جديد
ورغم أن فرص الحصول على تذكرة فالعودة من القاهرة أفضل كثيرا ووارده حتى من شباك التذاكر وفى نفس اليوم
وربما تقولون لي ولماذا تتأخر (متروح قبلها بكام يوم؟)
في اغلب زياراتي الاضطرارية للقاهرة لا استغرق عادة أكثر من يومين وغالبا يوم واحد وغالبا ما أكون غير عالم بظروفي فانتظر حتى أتأكد تماما من أنى انتهيت من مهماتي وبعدها أتوجه لشباك التذاكر وغالبا يحدث هذا في منتصف يوم السفر بعد الظهر أو العصر ويكون هذا قبل موعد اقرب قطار بساعات وفى نصف المرات السابقة تقريبا احصل فعليا على تذكرة ومن شباك التذاكر
ولا يهم أن تكون تذكرتي إلى (إسنا) وهى مدينتي ومقصدي في كل المرات السابقة أو ما بعدها (ادفو) أو حتى (أسوان )المهم ليس قبل !!.
والفارق في السعر ليس بكثير (خمسه جنيهات تقريبا)
أما في النصف الآخر من المرات فأظل واقفا أمام الشباك(على مقربه) منتظرا (ابن الحلال) الذي حضر ليبيع تذكرته ربما ساعة ربما أكثر ولكنه كان يحضر في كل مرة ولا يهم كما قلت أن تكون لمدينتي التي تسبق أسوان ب حوالي 150 كيلو من ناحية الشمال أو لأسوان نفسها
وفى هذه المرة التي طال انتظاري فيها له وقد حضر أخيرا (الحمد لله) ولكن تذكرته هذه المرة لمدينتي (إسنا ) ويا للعجب ففي هذه المرة تحديدا
كنت أريد تذكرة (أسوان) فلا يوجد وقت للترانزيت أو الراحة (في البيت)
أخذتها(لم يكن هناك خيارا آخر) وها قد بدأت رحلة عودتي بل أوشكت على النهاية وقد اقترب القطار من محطتي(إسنا) اقصد محطتي الاعتيادية
والتي عندها ستنتهي صلاحية تذكرتي ولكنى ذاهب إلى( أسوان) هذه المرة
وما العمل يا ابوحميد ؟
فرغم أن الفارق في سعر التذكرة من القاهرة إلى إسنا عنها إلى أسوان من شباك التذاكر في رمسيس فقط خمسه جنيهات
إلا انك لو دفعت ثمن تذكره جديدة من داخل القطار ستدفع ثلاثة وعشرون جنيها من (إسنا) إلى( أسوان). لا تفهم حقا لماذا ؟!
مع أن نفس المسافة بالميكروباص فقط بمبلغ ثمانية جنيهات وبعيدا عن فكرة تفاهة هذه المبالغ على الأقل أمام الضرورة وعاملي الراحة والوقت
إلا اننى أتحدث عن المبدأ
فلقد كان أمامي منطقيا عده اختيارات
إما أن انزل فعليا من القطار في( إسنا) واتخذ مواصله داخليه للبر الغربي للنيل حيث موقف الميكروباصات وانتظر الدور وهلم جرا وهى فكره سخيفة وغير عمليه أو أن انزل من القطار لحظة توقفه في(إسنا) واعبر الكبرى العلوي للناحية المقابلة حيث شباك التذاكر لأحصل على تذكرة لأسوان وأعود بنفس الطريقة وهى مسألة ستستغرق عشر دقائق ربما أكثر والقطار عادة لا يتوقف أكثر من دقائق ثلاثة أو أربعه على الأكثر
مخاطرة ربما احصل على تذكرة ب (12 ) جنيه تقريبا ولا استفيد منها فكره غير عمليه
أو الاختيار الثالث والمنطقي والطبيعي
بأن استمر في مقعدي طالما انه ذاهب إلى أسوان وهو ما فعلته
انطلق القطار مغادرا محطة( إسنا) وأصبحت في الأمر الواقع
ربما تقولون طب أيه المشكلة ؟!
حقيقة لا مشكلة..
أنا اعتقد أن معظم من اعرفهم أو من لا اعرفهم أيضا كانوا ليفعلون الآتي
سيظلون في مقاعدهم بكل احترام حتى يجيء إليهم محصل التذاكر ليرى تذكرتهم فيخبروه بكل ثقة أن تذكرتهم انتهت مع الأسف
فيقوم المحصل بقطع تذكرة جديدة لهم بقيمة 23 جنيه .هذا إن حدث وجاء إليهم المحصل !!!.
ولأن تبديل المحصلين يكون في (الأقصر) التي تسبق( إسنا )ب 50 كيلو تقريبا وقد حدث !!.
فيبقى هذا احتمال ضعيف اى انه على الأرجح لن ينتبه المحصل لي , وما ذنبي إذا !!
(مهما بصراحة مفتريين يعنى أنا ذنبي أيه؟ فرق التذكرتين المفروض خمسه جنيه بقدرة قادر يبقى 23 جنيه أيه الظلم والافترا ده
أربعه إضعاف ونصف 460% زيادة علشان ايه ده كله؟!!.
خلاصه القول التصرف الذي كان سيتصرفه كثيرون ممن اعرفهم انه إذا( وقعت الفاس فالراس) واكتشف المحصل أمرك فادفع بالتي هي أحسن وأمرك لله وإذا لم يكتشف (فيالا وأنا مالي مهما اللى مسألونيش دى عالم مفترية )
بل إن هناك البعض سيمعنون في التخفي فلا يتعمدون النظر للمحصل أبدا إن تصادف ومر من العربة بل ربما يتظاهرون بقراءة جريده أو على الارجح سيضعون فوطة على وجوههم ويتظاهرون بالنوم فعليا
أو حتى قد يتنقلون بين العربات فقط للاستمتاع نعم للاستمتاع بالإحساس بأنهم مزوغين !!
وهم يفعلون هذا وهم مرتاحي الضمير كل الارتياح (مهى حكومة مفتريه ومفينفعش معاها غير كده)
رغم أنهم بغض النظر عن اى شيء يستمتعون بالتزويغ لمجرد الإحساس بأنهم شطار و(عيال مخلصه) وكفاية إنهم (يلبسوا المحصلين العمة!!)
كان الأمر ليمر لو ظللت على طبيعتي فالمحصل الذي كنت أراقبه ببصري وهو يغدو ذهابا وإيابا وكأنه لا يريد أن يراني مع أن نظراتي تقول (امسك حرامى)
وها قد فعلتها أخيرا بعد تفكير لم يطل
نعم فعلت الصواب من الناحية الرسمية والأخلاقية حتى وان شعرت بالاستفزاز
نعم أنا من ناديت الرجل وأخبرته بأني احتاج لتذكرة جديدة ومن (إسنا) ربما حتى كان بإمكاني الانتظار حتى محطة (كوم امبو) مثلا (قبل أسوان ب 50 كيلو) واخبره أنى لسه راكب وأوفر على نفسي شويه
لا لم افعل هذا ...ذكرت الحقيقة ولم أكن مضطرا أو خائفا فلا اعتقد مطلقا أنى كنت سأكتشف ..فقط كنت مغتاظا !!
ولكم كان موقف الرجل نبيلا مقدرا لصراحتي فقام على الفور بقطع تذكرة لى بقيمة 23 جنيه وهو ربما يقول فى نفسه(ربنا يكتر من أمثالك (الساذجين) داحنا كنا قعد نا مكانا ولا رحنا ولا جينا) طبعا حتى وان قالها فهو لن يقول كلمة (الساذجين) ربما هذا فقط ما اعتقدته عن نفسي
فلا يفعل هذا إلا ساذج بل وأحمق أيضا بمنطق البشر
حقيقة كنت مغتاظا جدا (وما الذي اضطرك؟) ربما لأريح ضميري ربما فقط لأكون فعلت الصواب و (زى ما الكتاب مبيقول)
كان في نفسي غصة حتى بعدما انتهت رحلتي لم أكن قادرا على أن اخبر احد بهذا وإلا سأنال من (التريقه) والسخرية ما لايرضينى
بل إنها أول مرة أحكى فيها هذه الواقعة
لم اعرف هل العيب في أم في الآخرين أم فيهم؟؟.. النظام أم عدم النظام لو تحرينا الدقة
كلما تذكرت الأمر كنت اشعر بأني كمن ( سلم نفسه سلام يد) كما يقولون
عامة مر عامين آخرين قبل أن تبدأ الحكاية الثانية (القصيرة هذه المرة اعرف أنكم كرهتم أنفسكم وكرهتموني (أيه الرغى ده كله يبنى خلص بقى))
- كانت رحلة عودة أيضا لم يكن لدى مشكلة حقيقة في التذكرة هذه المرة بل إن تذكرتي كانت لأسوان رغم أنى سأنزل في محطة( إسنا)
ولا مشكلة لدى في هذا
كانت هناك سيدة تبدو بسيطة في هيئتها ولغتها قد استقلت القطار من محطة القطار بالأقصر ويبدو أنها ذاهبة لأسوان ويبدو أيضا أنها فوجئت بسعر التذكرة من داخل القطار (مسكينة!) ورغم أنى لا اعلم هذا المبلغ تحديدا إلا أنى أتوقع انه لن يقل عن 30 جنيه مع أن نفس المسافة بالميكروباص بحوالي 10 جنيهات
حتما هي تفاحات ولم تكن تعلم ربما أحبت تجربه القطار المكيف أو ربما إنها ضرورة
المهم أن المحصل قد جاء ونشب الشجار لا مجرد مشادة كلاميه علت فيها أصواتهم قليلا ويبدو إنها لم تكن (سهله) فهي مجادلة ومناكفه ممتازة حتى أن المحصل (زهق) فالأخر وتركها دون أن تدفع ولكن المؤكد انه ذاهب لطلب الدعم فلا أتوقع أنهم سيتركونها هكذا
ولكنه تأخر كثيرا كانت محطتي قد اقتربت وقد اختمرت هذه الفكرة فى رأسي
أنا غير مسئول (أمام ضميري) عن المسافة التي قطعتها السيدة بالقطار من الأقصر إلى (إسنا)
ولكنى اعتبر أن من حقي أن أضع (حجرا) حتى ليشغل مقعدي حتى (أسوان) وكما هو مكتوب على تذكرتي التي دفعت قيمتها كاملة
ها قد حان وقت استرداد ديني القديم !!.
سأعتبر أنى وضعت السيدة مكاني من (إسنا) وحتى (أسوان) وما شأنهم فالتذاكر ليست بالاسم
إلا انه ولأني أتوقع أنى لو فعلت هذا أمامهم فربما (يلبسوني قضية) وأكون متآمرا على المصالح الوطنية
ولكن ما يهمنى هو مصالح المواطنين وإراحة ضميري قبل هذا
وهذا ما فعلته
بمجرد ما وقف القطار في محطتي (باسنا) حتى توجهت للسيدة وأعطيتها تذكرتي وأخبرتها أنها تصلح حتى أسوان
ونزلت بسرعة وكأنني ارتكبت جرما وهو كذلك بقوانينهم ذات الوجهين والمعيارين
ففي المرة الأولى لم ادفع قيمة الفارق المستحقة كما هي من القاهرة (5 جنيه) بل إضعافها رغم أنى شغلت نفس المقعد بل لم يأتي احد ومعه تذكره ليخبرني أنى استغل مقعده
وهذه المرة كنت ساترك لهم مقعدي يستغلونه بعد نزولي رغم أنى دفعت قيمة شغله حتى (أسوان) ورغم أنها ليست مشكلتهم ورغم أنى كنت سأفعل هذا تلقائيا ودون أن يكون في نفسي (غصة) إلا انه ومع وجود حالة هذه السيدة شعرت انه من حقي كل الحق أن استفيد بحقي الآن في إنقاذ تلك السيدة من براثنهم
ورغم أنى غير واثق ولم أكن واثق من قدرة السيدة على الاستفادة من تذكرتي (فالمحصل) أصبح يعرفها وهو يثق تماما أنها لم تركب من ( القاهرة) والمؤكد أنها أخذتها من شخصا ما (نزل فعليا) إلا أنها وكما قلت (مش ساهلة) وتعرف تاخد حقها وزيادة
نهاية لكم كنت سعيدا فى تلك المرة شعرت حقيقة بارتياح شديد وبأني أسديت صنيعا بتلك السيدة (المغلوب على أمرها) مستغلا حقي الطبيعي (كما اعتقد)
ولا تهم قوانينهم الغير عادلة
إذا فأنا في مرتان مختلفتان يفصلهما عامان وظرفان مختلفان ودون ترتيب مسبق أو متوقع منى
تصرفت تصرفان وشعرت شعوران مختلفان
في الأولى تصرفت التصرف الصواب من الناحية الرسمية وكنت بعدها في اشد الضيق ولفترة
وفى المرة الثانية تصرفت تصرفا خطأ من الناحية الرسمية والقانونية أيضا وكنت سعيدا جدا ولفترة
لا اعرف حقا هل كان كل هذا طبيعيا منى
أم أن نسقى القيمى هو الذي تغير في هذين العامين ونظرتي للأمور
أم إنها السياسات الخاطئة ليس فقط في أمر كهذا وليس فقط في السكة الحديد ولكن في كل شيء تقريبا تشعر أن الأمور تدار بالشكل الذي يدفعك دفعا لتخالفها حتى وان لم تكن تريد
ونحن لا نبرر الخطأ
ولكننا نكره غباء وحماقة صناع القرار أحيانا في كل مؤسسه ومكان يسير بنفس النهج
فلو أتلفت شيئا ما يتبع اى جهة ما ولو رغما عنك وسلكت الطرق الرسمية تجد نفسك مضطرا لدفع إضعاف أضعاف القيمة الفعلية لما أتلفته
وستجد عشرات الناصحين ممن سبقوك بحوادث مشابهه ينصحونك بالطرق الملتوية للهروب من المأزق ويؤنبونك إن لم تفعل وتكون في نظر الجميع أحمق ومغفل و(اشرب بقى !!) . ورغم أن ما سيدفع في الطرق الملتوية - ولن يذهب أبدا للمصلحة العامة – قد يكون أكبر من القيمة الحقيقية لما اتلف بالفعل
ولكنه حتما اقل بكثير من القيمة التقديرية المطلوبة والرسمية !!
وفى النهاية يضيع الحق العام وحق الجميع بسبب بعض الغباء والكثير من عدم المسئولية
نهاية اعتذر لأني أطلت عليكم كثيرا جدا جدا هذه المرة
ولكنى فقط وجدت الحكايات مكملتان لبعضهما فأردت أن احكيهما معا
شكري للجميع.