لست متشائمًا كما كنت دوما أحاول أن أكون، ولست ممن يكتبون إلا بما يستشعرون، ولا يمكنني أن أتأثر بمن هم حولي مهما كانوا يستبشرون.
وما سأطرحه اليوم عن إنهيار دولة سوريا الشقيقة، ليس نتيجة تشاؤمٍ ما، كما أنه ليس من باب الحزن على رئيسِ دولة، قادها بشكلٍ غير سليم حيث ارتمى في أحضان الخارج، ليتقوى بإيران تارة، وبحزب الله اللبناني تارة وبروسيا تارةً آخرة، وشكل جيشه على أساسٍ طائفي، ونكل بشعبه بشكلٍ تناقلته ألسنة أبناء الشعب السوري ووكالات الأنباء والفضائيات -حتى لو شاب ذلك الكثير من المزايدات- ثم ها هو يترك وطنه فريسة لكل من يريد أن يقتنص منه ماشاء كيفما شاء ويهرب،
وبناءا على كل ذلك ليس لدي أي تعاطفٍ مع هكذا رئيس دولة، قادها للمجهول وزج بها إلى منزلقاتٍ خطيرة، لا يعلم أحد كيف ستخرج منها يومًا ما.
لكن الذي يؤسفني ويشعرني بالحزن الشديد هو ثلاث محاور، ليس من بينها رئيس سوريا الهارب، وتلك المحاور هي:
أولها: أن الذي حدث هو صفقة حدثت بين اللاعبين الرئيسيين بسوريا -ليس من بينهم الهارب- بل صفقة بين أمريكا وروسيا وتركيا وإيران، ليأخذ كل منهم نصيبه من الكعكة السورية، فكان على روسيا وإيران التخلي عن سوريا في مقابل تهدئة جبهة أوكرانيا لصالح روسيا، وتمرير برنامج إيران النووي ليبقى، ولتركيا ضمان عدم قيام دولة كردية في شمال الشام، وأمريكا لها النفط والغاز، وللكيان الغاصب ما يحلو له من الأراضي المستباحة كما جرى وشاهدناه على الأرض.
والمحور الثاني: هو إيماني الشديد والذي لا يتزعزع، بأن السيناريو الذي هدم بلادًا عربية حولنا منذ عشرات الأعوام مثل الصومال، أو منذ سنوات مثل العراق وليبيا واليمن وغيرها، ولم تقم لها قائمةً إلى الآن، هذا السيناريو الذي أنتج الهدم والدمار، لا يمكن بحالٍ أن يُنتج البناء والعمار، بل إن السنن الكونية تقول بأن تكرار نفس السيناريو لن يُنتج إلا نفس نتائج هذا السيناريو إذا تم تطبيقه في بيئةٍ مماثلة.
والمحور الثالث: هو قلة الوعي بشكلٍ واضحٍ عند أبناء الشعوب العربية في غالبيتها، حيث يمكن أن يكونوا مع من سيقود البلاد إلى الهاوية مسرورين، ويدعمونه ويرحبون به سعداء، دون وعيٍ بما ستؤل إليه الأمور بعد شهور أو سنوات.
وأخيرًا، إن الموقف العربي تجاه الأزمة السورية لم يكن على قدر المسئولية، حيث كان ينبغي أن تقوم الجامعة العربية على إنجاح عملية سياسية وإجرائية واجبة، لتسليم وتسلم السلطة في سوريا بشكل آمن، ولا عزاء لسوريا الأرض والعِرض والوطن.