قال: تحبه وتخافه، ؟؟!
قلت: نعم.
قال: لا يجتمع الحب مع الخوف.
قلت: بل يجتمعان كثيرًا، فالحب والخوف من المشاعر، التي تنتج عن الأفكار، فإذا كانت أفكاري تجاهك طيبة ومليئة بالقبول غير المشروط، حبًا كينونيًا لذاتك وليس لمصالح آنية أو أغراض معينة، فهو حبٌ يقع في القلب بناءً على قناعاتٍ فكرية لا تتزعزع، وهنا يمكن أن أخاف من الذي أحبه لمجرد أنني أحبه،
فيصبح الخوف منه في صورة خوفي من أن أفعل ما يضايقه أو يغضبه، وهذا يؤدي إلى أن أمتنع عن ما أحبه أنا، خوفًا منه وامتثالا لتوجيهاته وبعدًا عما يغضبه.
فالخوف الذي يمتزج بالحب هو الخوف الذي يدخل القلب تجاه من أحبه، خوفًا من أن يحيد الإنسان عن اتباع ما يطلبه المحبوب، وليس خوف الكراهية الذي يكون تجاه الظالم أو المغتصب أو المسيء،
ويكون الخوف هنا خوف من يرجو دوام التواصل والوصل مع المحبوب وليس خوف الرهبة وتمني الهروب.
وعلى أساس أفكاري تجاه من أحب تكون نوعية خوفي، فهو ليس خوفًا منه لأنه سينتقم مني أو لعقابٍ ما ينتظرني منه، لكن خوفي لأن الذي أحبه قريب مني عطوفٌ عليَّ يتفقَّدني ليعطيني.
وهنا يتداخل العطاء مع الحب لينتج خوف افتقاد مَن يُعطي، مَن ألجأ أليه فيلبيني، وليس خوف الهلع والفزع منه.
بل لأنه الذي أعطاني ووهبني دون طلب وأحيانًا قبل أن أطلب، فالخوف هنا يكون خوف رغبة في اللجوء لمن أحب لأنه الذي يعطي وأريده بجانبي.
ويمتزج الحب مع الخوف في مواقف كثيرة تجعل الخوف محمودًا، مثل خوف المحب لمعشوقه من أن يفتقده، وأيضًا حب الطالب لمعلمه الذي يعطيه العلم مع خوفه منه إن أساء، أي خوفًا مشروطًا وليس خوفًا مطلقًا.
وخوفي من والدي -رحمه الله- كان خوفًا ممزوجًا بالمحبة الخالصة، خوفًا لكي لا أراه مبتئسًا بسببي أو بعدم اتباعي لتوجيهاته، فهو الذي أثق بأنه لن يوجهني لضرر، فكانت أفكاري تحثني على اتباعه والخوف من أن أحيد عن ذلك.
كذلك، أنا أحب الله لأنه خلقني ورزقني ويشفيني ويحييني، وأخاف منه أن أقع فيما يغضبه لأنه حبيبي، ولقناعتي بأن ما يغضبه سيضرني ويشقيني.
إذًا ليست المشكلة في اجتماع الحب والخوف، لكنها حقيقةً تكمن في كيف نحب، وكيف نخاف.