قال لي: سأجمع صور عزيزٍ لدي مضى وتركني في الحياة وحيدًا، وسأعيش مع تلك الصور، لعل ذلك يقلل شجوني وأحزاني، فأنا من بعده لا أعرف كيف أعيش.
قلت: يقل الحزن يا صديقي، بتعديل الأفكار وليس بالعيش مع الماضي الجميل الذي فقدناه، فهذا قد يزيد من مشاعر الحزن، ويكرس شجون الفقد ويزيد الآلام -حتى لو أدى ذلك إلى الارتياح المؤقت قليلًا- ولن يزيد الحالة إلا تأزمًا.
الأفكار يا صديقي هي قائد قاطرة المشاعر، والحزن أحد المشاعر، وعليك أن تغير أفكارك عن الفقد المؤلم، كي تحصل على مشاعر أقل إيلامًا،
فمثلًا لو أنك تطور أفكارك عن الفراق لتكون إيجابية، بأن كل يومٍ يمر هو اقترابُ يومٍ ممن فارقنا، لهدأت أحزانك قليلًا.
وبأن الحبيب الذي فقدناه يحيا الآن حياةً برزخية أفضل مما كان عليه هنا في الحياة الدنيا، لهدأت أحزانك قليلا.
وأن مكوثَنا في الدنيا قليل، وهي فترة ضئيلة من خط عمرنا الأبدي، ولابد لنا من أن نرحل لنكون مع من فقدناه، لهدأت أحزانك قليلا.
ولو أن فِكرَتنا عن الموت تتطور، إلى أننا ننتقل ولا نفنى، وأن الانتقال هو رحلةٌ نحو الرحمة، والراحة من تعب الدنيا، لهدأت أحزانك قليلا.
وأن من يذهب، يكون قد اجتاز الإمتحان وخرج من لجنة الاختبار، وها هو ينتظرك خارجها لتلتقي به حين تُنهي اختبارك،، لهدأت أحزانك قليلا.
المشاعر يا صديقي شيءٌ سامي وراقي في حياة الإنسان السوي، إلا أنها تحتاج منا التوازن، كي لا نجنح بها إلى الإفراط أو التفريط، وضبط المشاعر مسئولية كل من له تلك المشاعر الإنسانية، وليس لنا من أداة نضبط بها مشاعرنا إلا تطوير الأفكار، لتكون قوة دافعة نحول بها الأفكار السلبية عن الفقد إلى أفكار إيجابية، تؤدي إلى ضبط الشعور بالحزن وألم الفقد.
صديقي الكريم،، نحتاج لأن نتوقف بأنفسنا مع أفكارنا، لأنها هي التي تشكل شجوننا وأحزاننا وأتراحنا، أو تجعلنا في مشاعر أملٍ وتفاؤل وفرح، واستبشار بغدٍ أفضل، نكون فيه ليس مع من "فارقونا" بل مع مَن هم فقط قد "انتقلوا".