قال لي: أسمعك دومًا تحذر من مخاطر كثيرة في الحياة، مخاطر في أسلوب التغذية، في إهمال الرياضة، في التمتع ببعض متع الحياة، فمثلًا التعلق بشرب السجائر وغيرها من الأشياء التي تروق للناس، وتجعلهم مستمتعين بحياتهم، أتابعك تضج مضاجعهم بكلماتك التحذيرية، في حين أنني أتابع الكثير من هؤلاء المدخنين ولا أكاد ألحظ خطرًا، فأنا أرى البعض ممَن يُدخن منذ عشرين سنة ولم يحدث له ضرر، ويتمتع بكامل صحته، وفي نفس الوقت يتمتع بالتلذذ بشرب السجائر وهو سعيد، فلماذا تضيّق على الناس الحياة "والناس مش ناقصه".
في الحقيقة، حين بادرني صديقي بهذه الكلمات اللاذعة والتي لا تخلو من اللوم، والتي أيضًا تحمل شيئًا من المنطق والإثباتات والبراهين -على الأقل من الناحية الشكلية- شعرت أن أطروحته تبدو كما لو أنه قد طرحني أرضًا، وتوقع صديقي بأنني لن أرد لعدم وجود منطقية في أي رد كما يتصور،
وبصدق أعتبر أن ما تفضل به صديقي هو إشكالية كبيرة يعيشها الناس، إذ أنها تمثل إختبار الإختيار، الذي يمر به كل منا في حياته في كل موقف نتعرض له بالحياة، فقلت: إذا كنا يا صديقي نعلم ضرر عادةٍ ما وثبت ذلك طبيًا، فعلينا الامتناع عنها حتى لو كانت المشاهدات تعبر عن غير ذلك، فمثلًا مَن يشرب السجائر قد يظل عشرون عامًا دون أي تأثيرات جانبية ظاهرية نراها، ولكن قد يكون في داخله تدميرًا كبيرًا يحدث في رئته أو في فمه، أو غير ذلك مما لا نراه، هذه واحده،
وبادرته بالتالية، بأن علينا السير في هذه الدنيا بالطرق التي نعلم بأنها صحيحة، ولا تؤدي إلى تدمير الصحة والجسم، وعلينا إلتزامها بصرف النظر عن تأثير ذلك على أجسادنا كنتائج،
حيث أن علينا استهداف الطريق الصحيح، لمجرد انه طريق مثبت علميًا أنه صحيح، وليس معنى أن غيرنا يسير في طريق غير سليم طبيًا، يؤدي إلى الإضرار بالنفس ثم هو لم يؤذَ، فهذا ليس مبررٌ لنا بأن نحذو حذوه، لأن مجرد الاختيار هو إختبار، ويجب أن يكون على أسس علمية وطبية صحية صحيحة، وليس على الحالات التي نشاهدها تجريبيًا،
ثم قلت له: كم تمثِّل هذه الحالات الاستثنائية التي شاهدتها أنت وغيرك، بعدم حدوث أضرار لهم رغم استخدامهم العادات الضاره، ؟ كم تمثل نسبتهم إلى نسبة مجموع الذين حدث لديهم أضرار من نفس تلك العادات الضاره؟
وهنا لا يمكن القياس ولا يمكن اعتماد نتيجة من خلال فئة قليلة نسبةً إلى مجموع من تضرروا حسب الإحصاءات العلمية الطبية بسبب هذه العادات الضارة.
وهناك فرق كبير بين أن نفعل الصواب في مسيرة الحياة، ونتائج هذا المسير، فنحن مطالبون باتخاذ الطرق والوسائل الصحيحة الثابته علميًا، حتى لو كان لدينا نتائج شاذة تثبت عدم الضرر من تلك الطرق الضارة صحيًا.
نحن مخلوقون في هذه الدنيا لنعيش فيها سنوات ثم نمضي، وعلينا واجبات ومسئوليات من ضمنها الحفاظ على صحة أنفسنا وذوينا، وذلك بتحري الطرق والوسائل الصحيحة علميًا، والتي تحفظ علينا هذه الصحة حسب التوجيهات الطبية والصحية، بصرف النظر عن النتائج الاستثنائية التي نراها حولنا مهما أبهرتنا تلك الاستثناءات.