طالعتنا الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي بقرار نقابة الموسيقيين وعلى رأسها نقيبها الفنان القدير هاني شاكر بمنع بعض المغنيين -الذين أسميهم "المؤدين للغناء"- من العمل لحين اجتيازهم الاختبارات المهنية بالنقابة، حيث أنهم غير مصرح لهم بالغناء إلا بعد الانضمام للنقابة.
وإلى هذا الحد فالأمر طبيعي ومقبول بل ومشكور من نقابة محترمة تعمل على مراقبة ومتابعة وضبط ايقاع العمل المهني، إذ أن لكل مهنة نقابة تمثلها وترعى مصالحها الفنية والإجرائية، وتعمل على رفع مستوى المهنة ووضعها في الشكل اللائق بها لتكون مهنة قادرة على تمثيل وجه مصر في العالم العربي والدولي، فضلًا عن أنها ترتقي بوعي المصريين في الداخل تجاه المهنة التي تمثلها هذه النقابة.
كل ذلك معلومٌ ولا خلاف عليه بين الناس، سواءً في نقاباتهم أو حتى خارجها في حوارات العامة عن تلك النقابا ولم يختلف عليه أحد لأنه من البديهيات.
لكن لا أدري كيف يتدخل غير المتخصص مهنيًا، ومن ليس له أي علاقة فنية بالموسيقى أو بفن الغناء، أن يتدخل بشكلٍ فج ليعترض على قرار نقابي مهني بحت ومتخصص تمامًا ومن مسئولين عن ترقية المهنة وما يتعلق بها،؟؟ ممن هم مؤهلين في ذلك.
لم أكن أتخيل أن يخرج علينا غير المتخصص واللاموسيقي تخصصًا, وبالكاد يمكن أن نصفه بأنه للفن متذوقًا, ولمجرد أنه يمتلك رأس مال -ليس أكثر- وهو ممن لا يعملون على رفع قيمة الفنون ولا رفع وعي الناس ولا تهذيب نفوسهم بالفن، ثم يعارض قرار المتخصصين والمسئولين مهنيًا عن مهنة فنية، لمجرد أنه يحب أن يستمع إلى اللون الغنائي الذي يحتوي بكلماته على بذاءات وتلميحات وسقطات ترفضها قيمنا المجتمعية, بل ويعلن أنه سيفتح لمن ليسوا مهنيين ولانقابيين المجال في مهرجانه الذي يقيمه سنويًا لمجرد أنه يمتلك المكان والأموال دونما أي ضوابط من القِيَم المجتمعية.
لا ضير في أن يحب لونًا غنائيًا أو غيره فهي حريته الشخصية، لكن المرفوض هو أن ينصِّب نفسه معارضًا لقرار مهني من نقابة مسئولة، وأن يتخذ من نفسه مدافعًا عمن قررت النقابة المتخصصة منعهم من العمل لحين اجتياز الاختبارات اللازمة والانضمام للنقابة, وأفضل ما يمكننا هو اعتبار كلماته مجرد رأي شخصي لا يمثل فيه إلا نفسه, وليس له من الحق شيء في أن يعارض قرارات النقابات المتخصصة.
ولا أدري كيف نُقنع من لا يقتنع, بأن الفن رسالة، وأنه وجِد لإمتاعنا وطربنا بالشكل والمضمون الذي يرتقي بأحاسيسنا ومشاعرنا وليس للإستمتاع بالكلمات المسِفّة والتلميحات الخارجة عن الذوق العام، ويتناسى أن تغيير الهوية وتطوير الثقافة أو تدميرها يأتي أول ما يأتي من خلال الوان الفنون المختلفة التي تؤثر في وجدان الشباب والمجتمع بأسره, وهنا لن نجد لنا إلا تلك النقابة المحترمة التي تقوم على تنظيم وتهذيب وضبط العمل الفني المهني الموسيقي في مصر.
إن استقرار الدولة وتنميتها وتطويرها لن يكون أبدًا في وجود من لا يعلمون أهمية التخصص في الارتقاء بأي من المهن المصرية، ولن يكون إذا استمر رأس المال في التدخل ليثير الزوبعات ضد البناء الصائب من ذوي التخصص كلٌ في مهنته.